«قال» مبكتا لهم «أفتعبدون» أي أتعلمون ذلك فتعبدون «من دون الله» أي متجاوزين عبادته تعالى «ما لا ينفعكم شيئا» من النفع «ولا يضركم» فإن العلم بحاله المنافية للألوهية مما يوجب الإجتناب عن عبادته قطعا «أف لكم ولما تعبدون من دون الله» تضجر منه عليه السلام من إصرارهم على الباطل البين وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لمزيد استقباح ما فعلوا وأف صوت المتضجر ومعناه قبحا ونتنا واللام لبيان المتأفف له «أفلا تعقلون» اى الا تتفكرون فلا تعقلون قبح صنيعكم «قالوا» اى قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وضاقت عليه الحيل وعيت بهم العلل وهكذا ديدن المبطل المحجوج إذا قرعت شبهته بالحجة القاطعة وافتضح لا يبقى له مفزع إلا المناصبة «حرقوه» فإنه أشد العقوبات «وانصروا آلهتكم» الانتقام لها «إن كنتم فاعلين» أي للنصر أو لشيء يعتد به قيل القائل نمرود بن كنعان بن السنجاريب ابن نمرود بن كوس بن حاء بن نوح وقيل رجل من أكراد فارس اسمه هيون وقيل هدير خسفت به الأرض روى أنهم لما أجمعوا على إحراقه عليه السلام بنوا له حظيرة بكوثى قرية من قرى الأنباط وذلك قوله تعالى قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فجمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة أربعين يوما فأوقدوا نارا عظيمة لا يكاد يحوم حولها أحد حتى إن كانت الطير لتمر بها وهي في أقصى الجو فتحترق من شدة وهجها ولم يكد أحد يحوم حولها فلم يعلموا كيف يلقونه عليه السلام فيها فأتى إبليس وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه وقيل صنعه لهم رجل من الأكراد فخسف الله تعالى به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ثم عمدوا إلى إبراهيم عليه السلام فوضعوه فيه مغلولا فرموا به فيها فقال له جبريل عليهما السلام هل لك حاجة قال أما إليك فلا قال فاسأل ربك قال حسبي من سؤالي علمه بحالي فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرة روضة وذلك قوله تعالى «قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم» أي كوني ذات برد وسلام أي ابردى بردا غير ضار وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته تعالى مأمورة مطاوعة وإقامة كونى ذات برد مقام أبردى ثم حذف المضاف وإقامة المضاف غليه مقامه وقيل نصب سلاما بفعله أي وسلمنا سلاما عليه روى أن الملائكة أخذوا بضبعي إبراهيم وأقعدوه على الأرض فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ولم تحرق النار إلا وثاقه وروى أنه عليه السلام مكث فيها أربعين يوما أو خمسين وقال ما كنت أطيب عيشا منى إذ كنت فيها قال ابن يسار وبعث الله تعالى ملك الظل فقعد إلى جنبه يؤنسه فنظر نمرود من صرحه فأشرف عليه فرآه جالسا في روضة مونقة ومعه جليس على أحسن ما يكون من الهيئة
(٧٦)