العادلة التي توزن بها صحائف الأعمال وقيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوى والجزاء على حسب الأعمال وقد مر تفصيل ما فيه من الكلام في سورة الأعراف وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به مبالغة «ليوم القيامة» التي كانوا يستعجلونها أي لجزائه أو لأجل أهله أو فيه كما في قولك جئت لخمس خلون من الشهر «فلا تظلم نفس» من النفوس «شيئا» حقا من حقوقها أو شيئا ما من الظلم بل يوفى كل ذي حق حقه إن خيرا فخير وإن شرا فشر والفاء لترتيب انتفاء الظلم على وضع الموازين «وإن كان» أي العمل المدلول عليه بوضع الموازين «مثقال حبة من خردل» أي مقدار حبة كائنة من خردل أي وإن كان في غاية القلة والحقارة فإن حبة الخردل مثل في الصغر وقرئ مثقال حبة بالرفع على أن كان تامة «أتينا بها» أي أحضرنا ذلك العمل المعبر عنه بمثقال حبة الخردل للوزن والتأنيث لإضافته إلى الحبة وقرئ آتينا بها أي جازينا بها من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وقرئ أثبنا من الثواب وقرئ جئنا بها «وكفى بنا حاسبين» إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا «ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان» «وضياء وذكرا للمتقين» نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم إلى قوله تعالى وأهلكنا المسرفين وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاك أعدائهم وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه والمراد بالفرقان هو التوراة وكذا بالضياء والذكر أي وبالله لقد آتيناهما وحيا ساطعا وكتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل وضياء الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المستضيئون بأنواره المغتنمون لمغانم آثاره أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع والأحكام وقيل الفرقا النصر وقيل فلق البحر والأول هو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لا سيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم فليأتنا بآية كما أرسل الأولون وقرئ ضياء بغير واو على أنه حال من الفرقان وقوله تعالى «الذين يخشون ربهم» أي عذابه مجرور المحل على أنه صفة مادحة للمتقين أو بدل أو بيان أو منصوب أو مرفوع على المدح «بالغيب» حال من المفعول أي يخشون عذابه تعالى وهو غائب عنهم غير مشاهد لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهدوا ما أنذروه وقيل من الفاعل «وهم من الساعة مشفقون» أي خائفون منها بطريق الاعتناء وتقديم الجار لمراعاة الفواصل وتخصيص إشفاقهم منها بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الإطلاق للإيذان بكونها معظم المخوفات وللتنصيص على اتصافهم بضد ما اتصف به المستعجلون وإيثار الجملة الإسمية للدلالة على ثبات الإشفاق ودوامه «وهذا» أي القرآن الكريم أشير إليه بهذا إيذانا بغاية وضوح أمره «ذكر» يتذكر به
(٧١)