المعرض فعلا يجعل الفأس في عنقه وقد قصد إسناده إليه بطريق التسبيب حيث كانت تلك الأصنام غاظته عليه السلام حين أبصرها مصطفة مرتبة للعبادة من دون الله سبحانه وكان غيظ كبيرهم أكبر وأشد حسب زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه باعتبار أنه الحامل عليه وقيل هو حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبهم كأنه قال لهم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد ويدعي إلها أن يقدر على ما هو أشد من ذلك ويحكى أنه عليه السلام قال فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها فيكون تمثيلا أراد به عليه السلام تنبيههم على غضب الله تعالى عليهم لإشراكهم بعبادته الأصنام وأما ما قيل من أنه عليه السلام لم يقصد نسبة الفعل الصادر عنه إلى الضم بل إنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم ومثل لذلك بما لو قال لك أمي فيما كتبته بخط رشيق وأنت شهير بحسن الحظ أأنت كتبت هذا فقلت له بل أنت كتبته كان قصدك تقرير الكتابة لنفسك مع الاستهزاء بالسائل لا نفيها عنك وإثباتها له فبمعزل من التحقيق لأن خلاصة المعنى في المثال المذكور مجرد تقرير الكتابة لنفسك وادعاء ظهور الامر مع الاستهزاء بالسائل وتجهيله في السؤال لابتنائه على أن صدورها عن غيرك محتمل عنده مع استحالته عندك ولا ريب في أن مراده عليه السلام من إسناد الكسر إلى الصنم ليس مجرد تقريره لنفسه ولا تجهيلهم في سؤالهم لابتنائه على احتمال صدوره عن الغير عندهم بل إنما مراده عليه السلام توجيههم نحو التأمل في أحوال أصنامهم كما ينبئ عنه قوله «فاسألوهم إن كانوا ينطقون» أي إن كانوا ممن يمكن ان ينطقوا وإنما لم يقل عليه السلام إن كانوا يسمعون أو يعقلون مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا لما أن نتيجة السؤال هو الجواب وأن عدم نطقهم أظهر وتبكيتهم بذلك أدخل وقد حصل ذلك أولا حسبما نطق به قوله تعالى «فرجعوا إلى أنفسهم» أي راجعوا عقولهم وتذكروا أن مالا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن كسره بوجه من الوجوه يستحيل أن يقدر على دفع مضرة عن غيره أو جلب منفعة له فكيف يستحق أن يكون معبودا «فقالوا» أي قال بعضهم لبعض فيما بينهم «إنكم أنتم الظالمون» أي بهذه السؤال لأنه كان على طريقة التوبيخ المستتبع للمؤاخذة أو بعبادة الأصنام لامن ظلمتموه بقولكم إنه لمن الظالمين أو أنتم ظالمون بعبادتها لا من كسرها «ثم نكسوا على رؤوسهم» أي انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه وقرئ نكسوا بالتشديد ونكسوا على البناء للفاعل أي نكسوا أنفسهم «لقد علمت ما هؤلاء ينطقون» على إرادة القول أي قائلين والله لقد علمت أن ليس من شأنهم النطق فيكف تأمرنا بسؤالهم على أن المراد استمرار نفى النطق لا نفى استمراره كما توهمه صيغة المضارع
(٧٥)