ولذلك عقب بما يدل على أنه طمع فارغ وأمل كذاب حيث قيل «أفلا يرون» أي ألا ينظرون فلا يرون «أنا نأتي الأرض» أي أرض الكفرة «ننقصها من أطرافها» فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا وهو تمثيل وتصوير لما يخربه الله عز وجل من ديارهم على أيدي المسلمين ويضيفها إلى دار الإسلام «أفهم الغالبون» على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والفاء لإنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص ارض الكفرة بتسليط المسلمين عليها كأنه قيل أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم كما مر في قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه وقوله تعالى قل أفاتخذتم من دونه أولياء وفي التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة 45 المعروفون بها «قل إنما أنذركم» بعد ما بين من جهته تعالى غاية هول ما يستعجله المستعجلون ونهاية سوء حالهم عند إتيانه ونعي عليهم جهلهم بذلك وإعراضهم عن ذكر ربهم الذي يكلؤهم من طوارق الليل والنهار وغير ذلك من مساوى أحوالهم امر صلى الله عليه وسلم بان يقول لهم إنما أنذركم ما تستعجلونه من الساعة «بالوحي» الصادق الناطق بإتيانها وفظاعة ما فيها من الأهوال أي إنما شأني أن أنذركم بالإخبار بذلك لا بالإتيان بها فإنه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية إذ الإيمان برهاني لا عيانى وقوله تعالى «ولا يسمع الصم الدعاء» إما من تتمة الكلام الملقن تذييل له بطريق الاعتراض قد أمر عليه السلام بأن يقوله لهم توبيخا وتقريعا وتسجيلا عليهم بكمال الجهل والعناد واللام للجنس المنتظم للمخاطبين انتظاما أوليا أو للعهد فوضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالتصام وتقييد نفى السماع بقوله تعالى «إذا ما ينذرون» مع ان الصم لا يسمعون الكلام إنذارا كان أو تبشيرا لبيان كمال شدة الصمم كما أن إيثار الدعاء الذي هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك فإن الإنذار عادة يكون بأصواب عالية مكررة مقارنة لهيآت دالة عليه فإذا لم يسمعوها يكون صممهم في غاية لا غاية وراءها وإما من جهته تعالى على طريقة قوله تعالى بل هم عن ذكر ربهم معرضون ويؤيده القراءة على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم من الإسماع بنصب الصم والدعاء كأنه قيل قل لهم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم وقرئ بالياء أيضا على أن الفاعل هو عليه السلام وقرئ على 46 البناء للمفعول أي لا يقدر أحد على إسماع الصم وقوله تعالى «ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك» بيان لسرعة تأثرهم من مجىء نفس العذاب إثر بيان عدم تأثرهم من مجيء خبرة على نهج التوكيد القسمي اي وبالله لئن أصابهم أدنى إصابة أدنه شيء من عذابه تعالى كما ينبئ عنه المس والنفحة بجوهرها وبنائها فإن أصل النفخ هبوب رائحة الشيء «ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين» ليدعن على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفن 47 عليها بالظلم وقوله تعالى «ونضع الموازين القسط» بيان لما سيقع عند إتيان ما أنذروه أي نقيم الموازين
(٧٠)