وعلى ذلك بني الوزن وقد مر تفصيله في سورة الأعراف وفي قوله تعالى إنما بغيكم على أنفسكم الآية إلى آخرها «قل» خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إثر تسليته بما ذكر من مصير أمرهم إلى الهلاك وأمر له عليه 42 السلام بأن يقول لأولئك المتسهزئين بطريق التقريع والتبكيت «من يكلؤكم» أي يحفظكم «بالليل والنهار من الرحمن» اى بأسه الذي تستحقون نزوله ليلا أو نهار أو تقديم الليل لما أن الدواهي أكثر فيه وقوعا وأشد وقعا وفي التعرض لعنوان الرحمانية إيذان بأن كالئهم ليس إلا رحمته العامة وبعد ما أمر عليه السلام بما ذكر من السؤال على الوجه المذكور حسبما تقتضيه حالهم لأنهم بحيث لولا أن الله تعالى يحفظهم في الملوين لحل بهم فنون الآفات فهم أحقاد بأن يكلفوا الاعتراف بذلك فيوبخوا على ما هم عليه من الإشراك أضرب عن ذلك بقوله تعالى «بل هم عن ذكر ربهم معرضون» ببيان أن لهم حالا أخرى مقتضية لصرف الخطاب عنهم هي أنهم لا يخطرون ذكره تعالى ببالهم فضلا ان يخافوا بأسه ويعدوا ما كانوا عليه من الأمن والدعة حفظا وكلاءة حتى يسألوا عن الكالىء على طريقة قول من قال [عوجوا فحيوا النعمى دمنة الدار * ماذا تحيون من نؤى وأحجار] وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبىء عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلالة والغي مالا يخفى وكلمة أم في قوله تعالى «أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا» منقطعة وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقال عما قبله من بيان أن جهلهم بحفظه تعالى إياهم لعدم خوفهم الناشئ عن إعراضهم عن ذكر ربهم بالكلية إلى توبيخهم بإعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها والهمزة لإنكار أن يكون لهم آلهة تقدر على ذلك والمعنى ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا أو حفظنا أو من عذاب كائن من عندنا فهم معولون عليها واثقون بحفظها وفي توجيه الإنكار والنفي إلى وجود الآلهة الموصوفة بما ذكر من المنع لا إلى نفس الصفة بأن يقال أم تمنعهم آلهتهم الخ من الدلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود فضلا عن رتبة المنع مالا يخفى وقولع عز وعلا «لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون» استئناف مقرر لما قبله من الإنكار وموضح لبطلان اعتقادهم أي هم لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم ولا يصحبون بالنصر من جهتنا فكيف يتوهم أن ينصروا غيرهم وقوله تعالى «بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر» إضراب عما توهما ببيان أن الداعي 44 إلى حفظهم تمتيعنا إياهم بما قدر لهم من الأعمال أو عن الدلالة على بطلانه بيان ما أوهمهم ذلك هو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وانه بسبب ما هم عليه
(٦٩)