«ومن أعرض عن ذكري» أي عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى «فأن له» في الدنيا «معيشة ضنكا» ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وقرئ ضنكى كسكرى وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره مقصورة على أعراض الدنيا وهو متهالك على ازديادها وخائف من انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه قد يضيق الله بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال تعالى وضربت عليهم الذلة والمسكنة وقال تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض وقوله تعالى ولو أن أهل الكتاب آمنوا إلى قوله تعالى لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقيل هو الضريع والزقوم في النار وقيل عذاب القبر «ونحشره» وقرئ بسكون الهاء على لفظ الوقف والجزم عطفا على محل فإن له معيشة ضنكا لأنه جواب الشرط «يوم القيامة أعمى» فاقد البصر كما في قوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما لا أعمى عن الحجة كما قيل «قال» استئناف كما مر «رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا» أي في الدنيا وقرئ أعمى بالإمالة في الموضعين وفي الأول فقط لكونه جديرا بالتغيير لكونه رأس الآية ومحل الوقف «قال كذلك» أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسره بقوله تعالى « أتتك آياتنا» واضحة نيرة بحيث لا تخفى على أحد «فنسيتها» أي عميت عنها وتركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلا «وكذلك» ومثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا «اليوم تنسى» تترك في العمى والعذاب جزاء وفاقا لكن لا أبدا كما قيل بل إلى ما شاء الله ثم يزيله عنه فيرى أهوال القيامة ويشاهد مقعده من النار ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذا البكم والصمم يزيلهما الله تعالى عنهم أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا «وكذلك» أي مثل ذلك الجزاء الموافق للجناية «نجزي من أسرف» بالانهماك في الشهوات «ولم يؤمن بآيات ربه» بل كذبها وأعرض عنها «ولعذاب الآخرة» على الإطلاق أو عذاب النار «أشد وأبقى» أي من ضنك العيش أو منه ومن الحشر على العمى «أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون» كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى وكذلك نجزي الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللام فلا حاجة
(٤٨)