بالنون على حكاية قوله عز وجل «وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا» أي ظللت مقيما على عبادته فحذفت اللام الأولى تخفيفا وقرئ بكسر الظاء بنقل حركة اللام إليها «لنحرقنه» جواب قسم محذوف أي بالنار ويؤيده قراءة لنحرقنه من الإحراق وقيل بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد ويعضده قراءة لنحرقنه «ثم لننسفنه» أي لنذرينه وقرئ بضم السين «في اليم» رمادا أو مبرودا كأنه هباء «نسفا» بحيث لا يبقى منه عين ولا اثر ولقد فعل عليه السلام ذلك كله يشهد به الأمر بالنظر وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين «إنما إلهكم الله» استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة الله «الذي لا إله» في الوجود لشيء من الأشياء «إلا هو» وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية وقرئ الله لا إله إلا هو الرحمن رب العرش وقوله تعالى «وسع كل شيء علما» اي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم بدل من الصلة كأنه قيل إنما إلهكم الله الذي وسع كل شيء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل دخولا أوليا وقرئ وسع بالتشديد فيكون انتصاب علما على المفعولية لأنه على القراءة الأولى فاعل حقيقة وبنقل الفعل إلى التعدية إلى المفعولين صار الفاعل مفعولا أول كأنه قيل وسع علمه كل شيء وبه تم حديث موسى عليه السلام المذكور لتقرير أمر التوحيد حسبما نطقت به خاتمته وقوله تعالى «كذلك نقص عليك» كلام مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة وذلك إشارة إلى اقتصاص حديث موسى عليه السلام وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر مقدر أي نقص عليك «من أنباء ما قد سبق» من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا مثل ذلك القص المار والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين ومن في قوله تعالى من أنباء في حيز النصب إما على أنه مفعول نقص باعتبار مضمونه وإما على أنه متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول كما في قوله تعالى ومنا دون ذلك أي جمع دون ذلك والمعنى نقص عليك بعض من أنباء ما قد سبق أو بعضا كائنا من أنباء ما قد سبق وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى ومن الناس من يقول الخ وتأخيره عن عليك لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أي مثل ذلك القص البديع الذي سمعته نقص عليك ما ذكر من الأنباء لا قصا ناقصا عنه تبصرة لك وتوفير لعلمك وتكثيرا لمعجزاتك وتذكر للمستبصرين من أمتك «وقد آتيناك من لدنا ذكرا» أي كتابا منطويا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار وكلمة من متعلقة بآتيناك وتنكير ذكر للتفخيم وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرا عظيما وقرآنا كريما جامعا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من
(٤٠)