منه عليه الصلاة والسلام ما رأوا من مخايل الخير ورزانة الرأي وإظهارا للجلادة بإراءة أنه لا يختلف حالهم بالتقديم والتأخير وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بخبرية مبتدأ محذوف أي اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا أو الأمر إما إلقاؤك أو إلقاؤنا «قال» استئناف كما سلف ناشيء من حكاية تخيير السحرة إياه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل فماذا قال عليه الصلاة والسلام فقيل قال «بل ألقوا» أنتم أولا مقابلة للأدب بأحسن من أدبهم حيث بت القول بإلقائهم أولا وإظهارا لعدم المبالاة بسحرهم ومساعدة لما أوهموا من الميل إلى البدء وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا أقصى جهدهم ويستنفدوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله عز وجل سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه لما علم أن ما سيظهر بيده سيلقف ما يصنعون من مكايد السحر «فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى» الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فألقوا فإذا حبالهم وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضا ظرفية تستدعي متعلقا بنصبها وجملة تضاف إليها لكنها خصت بكون متعلقها فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت أن يخيل إليه سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم وذلك أنهم كانوا لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيل إليه أنها تتحرك وقرئ تخيل بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال أنها تسعى منه بدل اشتمال وقرئ يخيل بإسناده إليه تعالى وقرئ تخيل بحذف إحدى التاءين من تتخيل «فأوجس في نفسه خيفة موسى» أي أضمر فيها بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشرية المجبولة على النفرة من الحيات والاحتراز من ضررها المعتاد من اللسع ونحوه وقيل من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه وليس بذاك كما ستعرفه وتأخير الفاعل لمراعاة الفواصل «قلنا لا تخف» أي ما توهمت «إنك أنت الأعلى» تعليل لما يوجبه النهي من الانتهاء عن الخوف وتقرير لغلبته على أبلغ وجه وآكده كما يعرب عنه الاستئناف وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو المنبئ عن الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل «وألق ما في يمينك» أي عصاك كما وقع في سورة الأعراف وإما أوثر الإبهام تهويلا لأمرها وتفخيما لشأنها وإيذانا بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس مبهمة الكنه مستتبعة لآثار غريبة وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في موضع آخر لا يستدعى عدم مراعاتها عند وقوع المحكي هذا وحمل الإبهام على التحقير بان يراد لا تبال بكثرة حبالهم
(٢٧)