تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٦ - الصفحة ٢٢٤
وصف به مبالغة وقوله تعالى «بين يدي رحمته» استعارة بديعة أي قدام المطر والالتفات إلى نون العظمة في قوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماء طهورا» لإبراز كمال العناية بالإنزال لأنه نتيجة ما ذكر من إرسال الرياح أي أنزلنا بعظمتنا بما رتبنا من إرسال الرياح من جهة الفوق ماء بليغا في الطهارة وما قيل إنه ما يكون طاهرا في نفسه ومطهرا لغيره فهو شرح لبلاغته في الطهارة كما ينبئ عنه قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم فإن الطهور في العربية إما صفة كما تقول ماء طهورا واسم كما في قوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المؤمن وقد جاء بمعنى الطهارة كما في قولك تطهرت طهورا حسنا كقولك وضوءا حسنا ومنه قوله تعالى صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بطهور ووصف الماء به إشعار بتمام النعمة فيه وتتميم للنعمة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهورها فبواطنهم أحق بذلك وأولى «لنحيي به» أي بما أنزلنا من الماء الطهور «بلدة ميتا» بإنبات النبات والتذكير لأن البلدة بمعنى البلد ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد والمراد به القطعة من الأرض عامرة كانت أو غامرة «ونسقيه» أي ذلك الماء الطهور عند جريانه في الأودية أو اجتماعه في الحياض والمنافع أو الآبار «مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا» أي أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسى وتخصيصهم بالذكر لأن أهل القرى والأمصار يقيمون بقرب الأنهار والمبالغ فيهم وبما لهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا مع أن مساق الآيات الكريمة كما هو للدلالة على عظم القدرة فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام حيث كانت قنية للإنسان وعامة منافعهم ومعايشهم منوطة بها قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها وقرئ نسقيه وأسقى وسقى لغتان وقيل أسقاه جعل له سقيا وأناسي جمع أنسى أو إنسان كظرابي في ظربان على أن أصله أناسين فقلبت نونه ياء وقرئ أناسي بالتخفيف بحذف ياء أفاعيل كأناعم في أناعيم «ولقد صرفناه» أي وبالله لقد كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر لما مر من الغايات الجميلة في القرآن وغيره من الكتب السماوية «بينهم» أي بين الناس من المتقدمين والمتأخرين «ليذكروا» ليتفكروا ويعرفوا بذلك كمال قدرته تعالى وواسع رحمته في ذلك ويقوموا بشكر نعمته حق قيام وقيل الضمير للمطر وتصريفه بينهم إنزاله في بعض البلاد دون غيرها أو في بعض الأوقات دون بعض أو جعله تارة وابلا وأخرى طلا وحينا ديمه ووقتا رهمة والأول هو الأظهر «فأبى أكثر الناس» ممن سلف وخلف «إلا كفورا» أي لم يفعل إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها أو وإلا جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكر وصنع الله تعالى ورحمته ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء فهو كافر بخلاف من يرى أن الكل يخلق الله تعالى
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (سورة طه) قوله تعالى: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. 2
2 قوله تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم الآية. 22
3 قوله تعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى. 33
4 قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم الآية. 43
5 (سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر) قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم الآية. 53
6 قوله تعالى: ومن يقل منهم أني إله الآية. 64
7 قوله تعالى: وقد آتينا إبراهيم رشده الآية. 72
8 قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه الآية. 81
9 (سورة الحج) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية. 91
10 قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية. 101
11 قوله تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا الآية. 108
12 قوله تعالى: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية. 116
13 (سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر) قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون. 133
14 قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون. 134
15 قوله تعالى: ولو رحمناهم الآية. 145
16 (سورة النور) قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها الآية. 155
17 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا الآية. 164
18 قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض الآية. 175
19 قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم الآية. 188
20 (سورة الفرقان) قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان الآية 200
21 [الجزء التاسع عشر] قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا الآية 210
22 قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين الآية. 225
23 (سورة الشعراء) قوله تعالى: طسم تلك آيات الكتاب المبين. 233
24 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى الآية 244
25 قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك الآية 254
26 أوفوا الكيل ولا تكونوا الآية 262
27 (سورة النمل) قوله تعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين. 271
28 قوله تعالى: قال سننظر أصدقت الآية. 282
29 [الجزء العشرون] قوله تعالى: فما كان جواب قومه الآية 292
30 قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا الآية 300