وصف به مبالغة وقوله تعالى «بين يدي رحمته» استعارة بديعة أي قدام المطر والالتفات إلى نون العظمة في قوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماء طهورا» لإبراز كمال العناية بالإنزال لأنه نتيجة ما ذكر من إرسال الرياح أي أنزلنا بعظمتنا بما رتبنا من إرسال الرياح من جهة الفوق ماء بليغا في الطهارة وما قيل إنه ما يكون طاهرا في نفسه ومطهرا لغيره فهو شرح لبلاغته في الطهارة كما ينبئ عنه قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم فإن الطهور في العربية إما صفة كما تقول ماء طهورا واسم كما في قوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المؤمن وقد جاء بمعنى الطهارة كما في قولك تطهرت طهورا حسنا كقولك وضوءا حسنا ومنه قوله تعالى صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بطهور ووصف الماء به إشعار بتمام النعمة فيه وتتميم للنعمة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهورها فبواطنهم أحق بذلك وأولى «لنحيي به» أي بما أنزلنا من الماء الطهور «بلدة ميتا» بإنبات النبات والتذكير لأن البلدة بمعنى البلد ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد والمراد به القطعة من الأرض عامرة كانت أو غامرة «ونسقيه» أي ذلك الماء الطهور عند جريانه في الأودية أو اجتماعه في الحياض والمنافع أو الآبار «مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا» أي أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسى وتخصيصهم بالذكر لأن أهل القرى والأمصار يقيمون بقرب الأنهار والمبالغ فيهم وبما لهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا مع أن مساق الآيات الكريمة كما هو للدلالة على عظم القدرة فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام حيث كانت قنية للإنسان وعامة منافعهم ومعايشهم منوطة بها قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها وقرئ نسقيه وأسقى وسقى لغتان وقيل أسقاه جعل له سقيا وأناسي جمع أنسى أو إنسان كظرابي في ظربان على أن أصله أناسين فقلبت نونه ياء وقرئ أناسي بالتخفيف بحذف ياء أفاعيل كأناعم في أناعيم «ولقد صرفناه» أي وبالله لقد كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر لما مر من الغايات الجميلة في القرآن وغيره من الكتب السماوية «بينهم» أي بين الناس من المتقدمين والمتأخرين «ليذكروا» ليتفكروا ويعرفوا بذلك كمال قدرته تعالى وواسع رحمته في ذلك ويقوموا بشكر نعمته حق قيام وقيل الضمير للمطر وتصريفه بينهم إنزاله في بعض البلاد دون غيرها أو في بعض الأوقات دون بعض أو جعله تارة وابلا وأخرى طلا وحينا ديمه ووقتا رهمة والأول هو الأظهر «فأبى أكثر الناس» ممن سلف وخلف «إلا كفورا» أي لم يفعل إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها أو وإلا جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكر وصنع الله تعالى ورحمته ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء فهو كافر بخلاف من يرى أن الكل يخلق الله تعالى
(٢٢٤)