والأفعال وبيان ما لهم من المصير والمال وتنبيه على أن ذلك من الغرابة بحيث يجب أن يرى ويتعجب منه وإلهه مفعول ثان لأتخذ قدم على الأول للاعتناء به لأنه الذي يدور عليه أمر التعجب ومن توهم أنهما على الترتيب بناء على تساويهما في التعريف فقد زل منه أن المفعول الثاني في هذا الباب هو المتلبس بالحالة الحادثة أي أرأيت من جعل هواه إلها لنفسه من غير أن يلاحظ وبنى عليه أمر دينه معرضا عن استماع الحجة الباهرة البرهان النير بالكلية على معنى انظر إليه وتعجب منه وقوله تعالى «أفأنت تكون عليه وكيلا» إنكار واستبعاد لكونه صلى الله عليه وسلم حفيظا عليه يزجره عما هو عليه من الضلال ويرشده إلى الحق طوعا أو كرها والفاء لترتيب الإنكار على ما قبله من الحالة الموجبة له كأنه قيل أبعد ما شاهدت غلوه في طاعة الهوى وعتوه عن اتباع الهدى تقسره على الإيمان شاء أو أبى وقوله تعالى «أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون» إضراب وانتقال عن الإنكار المذكور إلى إنكار حسبانه صلى الله عليه وسلم لهم ممن يسمع أو يعقل حسبما ينبئ عنه جده صلى الله عليه وسلم في الدعوة واهتمامه بالإرشاد والتذكير لكن لا على أنه لا يقع كالأول بل على أنه لا ينبغي أن يقع أي بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلوا عليهم من الآيات حتى السماع أو يعقلون ما في تضاعيفها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن فتعتني بشأنهم وتطمع في إيمانهم وضمير أكثرهم لمن وجمعه باعتبار معناها كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار لفظها وضمير الفعلين لأكثر لا لما أضيف هو إليه وقوله تعالى «إن هم إلا كالأنعام» الخ جملة مستأنفة مسوقة لتقرير النكير وتأكيده وحسم مادة الحسبان بالمرة أي ما هم في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات وانتفاء التدبر فيما يشاهدونه من الدلائل والمعجزات إلا كالبهائم التي هي مثل في الغفلة وعلم في الضلالة «بل هم أضل» منها «سبيلا» لما أنها تنقاد لصاحبها الذي يعلفها ويتعهدها وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها وتأوى إلى معاطنها وهؤلاء لا ينقادون لربهم وخالقهم ورازقهم ولا يعرفون إحسانهم إليهم من إساءة الشيطان الذي هو أعدى عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهنى والمورد العذب الروى ولأنها إن لم تعتقد حقا مستتبعا لاكتساب الخير لم تعتقد باطلا مستوجبا لاقتراف الشر بخلاف هؤلاء حيث مهدوا قواعد الباطل وفرعوا عليها أحكام الشرور ولأن أحكام جهالتها وضلالتها مقصورة على أنفسها لا تتعدى إلى أحد وجهالة هؤلاء مؤدية إلى ثوران الفتني والفساد وصد الناس عن سنين السداد وهيجان الهرج والمرج فيما بين العباد ولأنها غير معطلة لقوة من القوى المودعة بل صارفة لها إلى ما خلقت هي له فلا تقصير من قبلها في طلب الكمال وأما هؤلاء فهم معطلون لقواهم العقلية مضيعون للفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها مستحقون بذلك أعظم العقاب وأشد النكال
(٢٢١)