«ألم تر إلى ربك» بيان لبعض دلائل التوحيد إثر بيان جهالة المعرضين عنها وضلالتهم والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزة للتقرير والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتشريفه صلى الله عليه وسلم وللإيذان بأن ما يعقبه من آثار ربوبيته ورحمته تعالى أي ألم تنظر إلى بديع صنعه تعالى «كيف مد الظل» أي كيف أنشأ ظل أي مظل كان من جبل أو بناء أو شجر عند ابتداء طلوع الشمس ممتدا لا أنه تعالى مده بعد أن لم يكن كذلك كما بعد نصف النهار إلى غروبها فإن ذلك مع خلوه عن التصريح بكون نفسه بإنشائه تعالى وإحداثه يأباه سياق النظم الكريم وأم ما قيل من أن المراد بالظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وأنه أطيب الأوقات فإن الظلمة الخالصة تنفر عنها الطباع وشعاع الشمس يسخن الجو ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة في قوله تعالى وظل ممدود فغير سديد إذ لا ريب في أن المراد تنبيه الناس على عظيم قدرة الله عز وجل وبالغ حكمته فيما يشاهدونه فلا بد أن يراد بالظل ما يتعارفونه من حالة مخصوصة يشاهدونها في موضع يحول بينه وبين الشمس جسم كثيف مخالفة لما في جوانبه من مواقع ضح الشمس وما ذكر وإن كان في الحقيقة ظلا للأفق الشرقي لكنهم لا يعدونه ظلا ولا يصفونه بأوصافه المعهودة ولعل توجيه الرؤية إليه سبحانه وتعالى مع ان المراد تقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم لكيفية مد الظل للتنبيه على أن نظره صلى الله عليه وسلم غير مقصور على ما يطالعه من الآثار والصنائع بل مطمح أنظاره معرفة شؤون الصانع المجيد وقوله تعالى «ولو شاء لجعله ساكنا» جملة إعترضت بين المعطوفين للتنبيه من أول الأمر على أنه لا مدخل فيما ذكر من المد للأسباب العادية وإنما المؤثر فيه المشيئة والقدرة ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة من وقوعها وكون مفعولها مضمون الجزاء أي ولو شاء سكونه لجعله ساكنا أي ثابتا على حاله من الطول والإمتداد وإنما عبر عن ذلك بالسكون لما أن مقابله الذي هو تغير حاله حسب تغير الأوضاع بين المضل وبين الشمس يرى رأي العين حركه وانتقالا وحاصله أنه لا يعتريه اختلاف حال بأن لا تنسخه الشمس وأما التعليل بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد فمداره الغفول عما سيق له النظم الكريم ونطق به صريحا من بيان كمال قدرته القاهرة وحكمته الباهرة بنسبة جميع الأمور الحادثة إليه تعالى الذات وإسقاط الأسباب العادية عن رتبة السببية والتأثير بالكلية وقصرها على مجرد الدلالة على وجود المسببات لا بذكر قدرته تعالى على بعض الخوارق كإقامة الشمس في مقام واحد على أنها أعظم من إبقاء الظل على حاله في الدلالة على ما ذكر من كمال القدرة والحكمة مكونه من فروعها ومستتبعاتها فهي أولى وأحق بالإيراد في معرض البيان وقوله تعالى «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» عطف على مد داخل في حكمه أي جعلناها علامة يستدل بأحوالها المتغيرة على أحواله من غير أن يكون بينهما سببية وتأثير قطعا حسبما نطق به الشرطية المعترضة والالتفات إلى نون العظمة لما في الجعل المذكور العاري عن التأثير مع ما يشاهد بين الشمس والظل من الدوران المطرد المنبىء عن السببية من مزيد دلالة على عظم القدرة ودقة الحكمة وهو السر في إيراد كلمة التراخي وقوله تعالى «ثم قبضناه»
(٢٢٢)