والصفات ويأباه الاستثناء المذكور فإن المتبادر منه يكون ما أعطاه الله تعالى من الحق مترتبا على ما أتوا به من الأباطيل دامغا لها ولا ريب في ما آتاه الله تعالى من الملكات السنية اللائقة بالرسالة قد أتاه من أول الأمر لا بمقابلة ما حكى عنهم من الاقتراحات لأجل دمغها وإبطالها «الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم» أي يحشرون كائنين على وجوههم يسبحون عليها ويجرون إلى جهنم وقيل مقلوبين وجوههم على قفاهم وأرجلهم إلى فوق روى عنه صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أثلاث ثلث على الدواب وثلث على وجوههم وثلث على وثلث على أقدامهم ينسلون نسلا وأما ما قيل متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها فبعيد لأن هول ذلك اليوم ليس بحيث يبقى لهم عنده تعلق بالسفليات أو توجه إليها في الجملة ومحل الموصول إما النصب أو الرفع على الذم أو الرفع على الابتداء وقوله تعالى «أولئك» بدل منه أو بيان له وقوله تعالى «شر مكانا وأضل سبيلا» خبر له أو اسم الإشارة مبتدأ ثان وشر خبره والجملة خبر للمصول ووصف السبيل بالضلال من باب الإسناد المجازي للمبالغة والمفضل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم على مهاج قوله تعالى قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه كأنه قي إن حاملهم على هذه الاقتراحات تحقير مكانه صلى الله عليه وسلم بتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا وقيل هو متصل بقوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا (ولقد آتينا موسى) جملة مستأنفة سيقت لتأكيد ما مر من التسلية والوعد بالهداية والنصر في قوله تعالى وكفى بربك هاديا ونصيرا بحكاية ما جرى بين من ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين قومهم حكاية إجمالية كافية فيما هو المقصود واللام جواب لقسم محذوف أي وبالله لقد آتينا موسى التوراة أي أنزلناها عليه بالآخرة «وجعلنا معه» الظرف متعلق بجعلنا وقوله تعالى «أخاه» مفعول أول له وقوله تعالى «هارون» بدل منن أخاه أو عطف بيان له على عكس ما وقع في سورة طه وقوله تعالى «وزيرا» مفعول ثان له وقد مر ثمة معنى الوزير أي جعلناه في أول الأمر وزيرا له «فقلنا» لهما حينئذ «اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا» هم فرعون وقومه والآيات هي المعجزات التسع المفصلات الظاهرة على يدي موسى عليه السلام ولم يوصف القوم لهما عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن ذهابهما المتأخر عن الأمر به بل إنما وصفوا بذلك عند الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لعلة استحفافهم لما يحكى بعده من التدمير أي فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلها فكذبوها تكذيبا مستمرا «فدمرناهم» التكذيب أثر ذلك التكذيب المستمر «تدميرا» عجيبا هائلا لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء
(٢١٧)