العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عز وجل (يا رب إن قومي) يعني الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع («اتخذوا هذا القرآن» الذي من جملته هذه الآيات الناطقة بما يحيق بهم في الآخرة من فنون العقاب كما ينبئ عنه كلمة الإشارة (مهجورا) أي متروكا بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يعرفوا إليه رأسا ولم يتأثروا بوعيده وفيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم فإنه روى عنه صلى الله عليه السلام أنه قال من تعلم القرآن وعلق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به العالمين عبدك هذا أتخذل مهجورا اقض بيني وبينه وقيل هو من هجر إذا هذى أي جعلوه مهجورا فيه إما على زعمهم الباطل وإما بأن هجروا فيه إذا سمعوه كما يحكى عنهم من قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وقد جوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول فالمعنى اتخذوه وهجرا وهذيانا وفيه من التخدير والتخويف مالا يخفى فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قولهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا وقولة تعالى «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين» تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل له على الاقتداء بمن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي كما جعلنا لك أعداء من المشركين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل جعلنا لكل نبي من الأنبياء الذين هم أصحاب الشريعة والدعوة إليها عدوا من مجرمي قومهم فاصبر كما صبروا وقولة تعالى (وكفى بربك هاديا ونصيرا) وعد كريم له صلى الله عليه وسلم بالهداية إلى كافة مطالبة والنصر على أعدائه أي كفاك مالك أمرك ومبلغك إلى الكمال هاديا لك إلى ما وصلك إلى غاية الغابات التي من جملتها تبليغ الكتاب أجله وإجراء أحكامه في أكتاف الدنيا إلى يوم القيامة ونصيرا لك على جميع من يعاديك «وقال الذين كفروا» حكاية لاقتراحهم الخاص بالقرآن الكريم بعد حكاية اقتراحهم في حقه صلى الله عليه وسلم والقائلون هم القائلون أولا وإيرادهم بعنوان الكفر لذمهم به والأشعار بعلة الحكم «لولا نزل عليه القرآن» التنزيل ههنا مجرد عن معنى التدريج كما في في قوله تعالى أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ويجوز أن يراد به الدلالة على كثرة المنزل في نفسه أي هلا أنزل كله «جملة واحدة» كالكتب الثلاثة وبطلان هذه الكلمة الحمقاء مما لا يكاد يخفي على أحد فإن الكتب المتقدمة لم يكن شاهد صحتها ودليل كونها من عند الله تعالى إعجازها وأما القرآن الكريم فبينة صحته آية كونه من عند الله تعالى نظمه المعجز الباقي على مر الدهور المتحقق في كل جزء من أجزائه المرقدة بمقدار أقصر السور حسبما وقع به التحدي ولا ريب في أن ما يدور عليه فلك الإعجاز هو المطابقة لما تقتضيه الأحوال ومن ضرورة تغيرها وتجددها تغير ما يطابقها حتما على أن فيه فوائد جمه أشير إلى بعض منها بقوله تعالى «كذلك لنثبت به فؤادك» فإنه استئناف وارد من جهته تعلى لرد مقالهم الباطل
(٢١٥)