تعليله بما بعده «فقولا إنا رسولا ربك» أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبنى جوابه عليه وكذا التعرض لربوبيته تعالى له والفاء في قوله تعالى «فأرسل معنا بني إسرائيل» لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونهما رسولي ربه مما يوجب إرسالهم معهما والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر والقسر وإخراجهم من تحت يده العادية لا تكليفهم أن يذهبوا معه معهما إلى الشام كما ينبئ عنه قوله تعالى «ولا تعذبهم» أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الصعبة الفادحة من الحفر ونقل الأحجار وغيرهما من الأمور الشاقة ويقتلون ذكور أولادهم عاما دون عام ويستخدمون نساءهم وتوسيط حكم الإرسال بين بيان رسالتهما وبين ذكر المجيء بآية دالة على صحتها لإظهار الاعتناء به مع ما فيه من تهوين الأمر على فرعون فإن إرسالهم معهما من غير تعرض لنفسه وقومه بفنون التكاليف الشاقة كما هو حكم الرسالة عادة ليس مما يشق عليه كل المشقة ولأن في بيان مجيء الآية نوع طول كما ترى فتأخير ذلك عنه مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم وأما ما قيل من أن ذلك دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان فكلا «قد جئناك بآية من ربك» تقرير لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وتعليل لوجوب الإرسال فإن مجيئهما بالآية من جهته تعالى مما يحقق رسالتهما ويقررها ويوجب الامتثال بأمرهما وإظهار اسم الرب في موضع الإضمار مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتأكيد ما ذكر من التقرير والتعليل وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة وكذلك قوله تعالى قد جئتكم ببينة وقوله تعالى أو لو جئتك بشيء مبين وأما قوله تعالى فأت بآية إن كنت من الصادقين فالظاهر أن المراد بها آية من الآيات «والسلام» المستتبع لسلامة الدارين من الله تعالى والملائكة وغيرهم من المسلمين «على من اتبع الهدى» بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق وفيه من ترغيبه في اتباعهما على ألطف وجه مالا يخفى «إنا قد أوحي إلينا» من جهة ربنا «أن العذاب» الدنيوي والأخروي «على من كذب» أي بآياته تعالى «وتولى» أي أعرض عن قبولها وفيه من التلطيف في الوعيد حيث لم يصرح بحلول العذاب به مالا مزبد عليه «قال» أي فرعون بعدما أتياه وبلغاه ما أمرا به وإنما طوى ذكره للإيجاز والإشعار بأنهما كما أمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير تلعثم وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به «فمن ربكما يا موسى» لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى إنا رسولا ربك وقوله تعالى قد جئناك بآية من ربك لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل أضافه إليهما لما أن المرسل لابد أن يكون ربا للرسول أو لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا إنا رسول رب العالمين كما وقع في سورة الشعراء والاقتصار ها هنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود والفاء لترتيب السؤال على ما سق من كونهما رسولي ربهما أي إذا كنتما رسولي ربكما فأخبرا من ربكما الذي
(١٩)