كثيرا أو زمانا كثيرا من جملته زمان دعوة فرعون وأوان المحاجة معه وأما ما قيل من أن المعنى كي نصلي لك كثيرا ونحمدك ونثني عليك فلا يساعده المقام «إنك كنت بنا بصيرا» أي عالما بأحوالنا وبأن ما دعوتك به مما يصلحنا ويفيدنا في تحقيق ما كلفته من إقامة مراسم الرسالة وبأن هارون نعم الردء في أداء ما أمرت به والباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لمراعاة الفواصل «قال قد أوتيت سؤلك» أي أعطيت سؤلك فعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول والايتاء عبارة عن تعلق ارادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له عليه السلام البتة وتقديره إياها حتما فكلها حاصلة له عليه السلام وإن كان وقوع بعضها بالفعل مترقبا بعد كتيسير الأمر وشد الأزر وباعتباره قيل سنشد عضدك بأخيك وقوله تعالى «يا موسى» تشريف له عليه السلام بشرف الخطاب إثر تشريفه بشرف قبول الدعاء وقوله تعالى «ولقد مننا عليك» كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله وزيادة توطين نفس موسى عليه السلام بالقبول ببيان أنه تعالى حيث أنعم عليه بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء منه وطلب فلان ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداع أولى وأحرى وتصديره بالقسم لكمال الاعتناء بذلك أي وبالله لقد أنعمنا «مرة أخرى» أي في وقت غير هذا الوقت لا أن ذلك مؤخر عن هذا فإن أخرى تأنيت آخر بمعنى غير والمرة في الأصل اسم للمرور الواحد ثم أطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات متعدية كانت أو لازمة ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد ماله أفراد متجددة متعددة فصار علما في ذلك حتى جعل معيارا لما في معناه من سائر الأشياء فقيل هذا بناء المرة ويقرب منها الكرة والتارة والدفعة والمراد بها ههنا الوقت الممتد الذي وقع فيه ما سيأتي ذكره من المنن العظيمة الكثيرة وقوله تعالى «إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى» ظرف لمننا والمراد بالإيحاء إما الإيحاء على لسان نبي في وقتها كقوله تعالى وإذا أوحيت إلى الحواريين الآية وإما الإيحاء بواسطة الملك لا على وجه النبوة كما أوحي إلى مريم وإما الإلهام كما في قوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل وإما الإرادة في المنام والمراد بما يوحى وسيأتي من الأمر بقذفه في التابوت وقذفه في البحر أيهم أولا تهويلا له وتفخيما لشأنه ثم فسر ليكون أقر عند النفس وقيل معناه ما ينبغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به وقيل مالا يعلم إلا بالوحي وفيه إنه لا يلائم المعنيين الأخيرين للوحي إذ لا تفخيم لشأنه في أن يكون مما لا يعلم إلا بالإلهام أو بالإرادة في المنام
(١٤)