تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٦ - الصفحة ٢١
قوله تعالى «قال علمها عند ربي» فإن معناه أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى وإنما أنا عبد لا أعلم مها إلا ما علمنيه من الأمور المتعلقة بما أرسلت به ولو كان المسؤول عنه ما ذكر من الشقاوة والسعادة لأجيب ببيان أن من اتبع الهدى منهم فقد سلم ومن تولى فقد عذب حسبما نطق به قوله تعالى والسلام الآيتين «في كتاب» أي مثبت في اللوح المحفوظ بتفاصيله ويجوز أن يكون ذلك تمثيلا لتمكنه وقرره في علم الله عزل وجل بما استحفظه العالم وقيده بالكتبة كما يلوح به قوله تعالى «لا يضل ربي ولا ينسى» أي لا يخطئ ابتداء ولا يذهب علمه بقاء بل ثابت أبدا فإنهما محالان عليه سبحانه وهو على الأول لبيان أن إثباته في اللوح ليس لحاجته تعالى إليه في العلم به ابتداء أو بقاء وإظهار ربي في موقع الإضمار للتلذذ بذكره ولزيادة التقرير والإشعار بعلة الحكم فإن الربوبية مما يقتضى عدم الضلال والنسيان حتما ولقد أجاب عليه الصلاة والسلام عن السؤال بجواب عبقري بديع حيث كشف عن حقيقة الحق حجابها مع أنه لم يخرج عما كان بصدده من بيان شؤونه تعالى ثم تخلص إليه حيث قال بطريق الحكاية عن الله عز وجل لما سيأتي من الالتفات «الذي جعل لكم الأرض مهدا» على أن الموصول إما مرفوع على المدح أو منصوب عليه أو خبر مبتدأ محذوف أي جعلها لكم كالمهد تتمهدونها أو ذات مهد وهو مصدر سمي به المفعول وقرئ مهادا وهو اسم لما يمهد كالفراش أو جمع مهد أي جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم «وسلك لكم فيها سبلا» أي حصل لكم طرقا ووسطها بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها «وأنزل من السماء ماء» هو المطر «فأخرجنا به» أي بذلك الماء وهو عطف على أنزل داخل تحت الحكاية وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن تنقاد لأمره وتذعن لمشيئته الأشياء المختلفة كما في قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وقوله تعالى أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة خلا أن ما قبل الالتفات هناك صريح كلامه تعالى وأما ها هنا فحكاية عنه تعالى وجعل قوله تعالى فأخرجا به هو المحكي مع كون ما قبله كلام موسى عليه الصلاة والسلام خلاف الظاهر مع أنه يفوت حينئذ الالتفات لعدم اتحاد المتكلم «أزواجا» أصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض «من نبات» بيان أو صفة لأزواجا أي كائنة من نبات وكذا قوله تعالى «شتى» أي متفرقة جمع شتيت ويجوز أن يكون صفة لنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع يعني أنها شتى مختلفة في الطعم والرائحة والشكل والنفع بعضها صالح للباس على اختلاف وجوه الصلاح وبعضها للبهائم فإن من تمام نعمته تعالى
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (سورة طه) قوله تعالى: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. 2
2 قوله تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم الآية. 22
3 قوله تعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى. 33
4 قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم الآية. 43
5 (سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر) قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم الآية. 53
6 قوله تعالى: ومن يقل منهم أني إله الآية. 64
7 قوله تعالى: وقد آتينا إبراهيم رشده الآية. 72
8 قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه الآية. 81
9 (سورة الحج) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية. 91
10 قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية. 101
11 قوله تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا الآية. 108
12 قوله تعالى: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية. 116
13 (سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر) قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون. 133
14 قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون. 134
15 قوله تعالى: ولو رحمناهم الآية. 145
16 (سورة النور) قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها الآية. 155
17 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا الآية. 164
18 قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض الآية. 175
19 قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم الآية. 188
20 (سورة الفرقان) قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان الآية 200
21 [الجزء التاسع عشر] قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا الآية 210
22 قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين الآية. 225
23 (سورة الشعراء) قوله تعالى: طسم تلك آيات الكتاب المبين. 233
24 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى الآية 244
25 قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك الآية 254
26 أوفوا الكيل ولا تكونوا الآية 262
27 (سورة النمل) قوله تعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين. 271
28 قوله تعالى: قال سننظر أصدقت الآية. 282
29 [الجزء العشرون] قوله تعالى: فما كان جواب قومه الآية 292
30 قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا الآية 300