وقوله تعالى «واصطنعتك لنفسي» تذكير لقوله تعالى وأنا اخترتك وتمهيد لإرساله عليه السلام إلى فرعون مؤيدا بأخيه حسبما استدعاه بعد تذكير المنن السابغة السابقة تأكيدا لوثوقه عليه السلام بحصول نظائرها اللاحقة وهذا تمثيل لما خوله عز وعلا من الكرامة العظمى بتقريب الملك بعض خواصه واصطناعه لنفسه وترشيحه لبعض أموره الجليلة والعدول عن نون العظمة الواقعة في قوله تعالى وفتناك ونظيريه السابقين تمهيد لإفراد لفظ النفس اللائق بالمقام فإنه أدخل في تحقيق معنى الاصطناع والاستخلاص أي اصطفيتك برسالاتي وبكلامي وقوله تعالى «اذهب أنت وأخوك» أي وليذهب أخوك حسبما استدعيت استئناف مسوق لبيان ما هو المقصود بالاصطناع «بآياتي» أي بمعجزاتي التي أريتكها من اليد والعصا فإنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آيات شتى كما في قوله تعالى فيه آيات بينات مقام إبراهيم فإن انقلاب العصا حيوانا آية وكونها ثعبانا عظيما لا يقادر قدره آية أخرى وسرعة حركته مع عظم جرمه آية أخرى وكونه مع ذلك مسخرا له عليه السلام بحيث كان يدخل يده في فمه فلا يضره آية أخرى ثم انقلابها عصا آية أخرى وكذلك اليد فإن بياضها في نفسه آية وشعاعها آية ثم رجوعها إلى حالتها الأولى آية أخرى والباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها في إجراء أحكام الرسالة وإكمال أمر الدعوة لا مجرد إذهابها وإيصالها إليه «ولا تنيا» لا تفترا ولا تقصرا وقرئ لا تنيا بكسر التاء للاتباع «في ذكري» أي بما يليق بي من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة عند تبليغ رسالتي والدعاء إلى وقيل المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكر يقع على جميع العبادات وهو أجلها وأعظمها وقيل لا تنسياني حيثما تقلبتما واستمدا بذكري العون والتأييد وأعلما أن أمرا من الأمور لا يتأتى ولا يتسنى إلا بذكري «اذهبا إلى فرعون» جمعهما في صيغة أمر الحاضر مع غيبة هارون إذ ذاك للتغليب وكذا الحال في صيغة النهي روى أنه أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى عليهما السلام وقيل سمع بإقباله فتلقاه «إنه طغى» تعليل لموجب الأمر والفاء في قوله تعالى «فقولا له قولا لينا» لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة ويلين عريكة الطغاة قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تعنفا في قولكما وقيل القول اللين مثل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فإنها دعوة في صورة عرض ومشورة ويرده ما سيجئ من قوله تعالى فقولا إنا رسولا ربك الآيتين وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة وقيل
(١٧)