عن غيرهم فإن النبيين حاصل بالنسبة إلى الكل وتقديم الصبار على الشكور لتقدم متعلق الصبر أعنى البلاء على متعلق الشكر أعني النعماء وكون الشكر عافية الصبر (وإذ قال موسى لقومه) شروع في بيان تصديه عليه الصلاة والسلام لما أمر به من التذكير للإخراج المذكور وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر سره غير مرة أي أذكر لهم وقت قوله عليه الصلاة والسلام لقومه (اذكروا نعمة الله عليكم) بدأ عليه الصلاة والسلام بالترغيب لأنه عند النفس أقبل وهي إليه أميل والظرف متعلق بنفس النعمة إن جعلت مصدرا أو بمحذوف وقع حالا منها إن جعلت اسما أي اذكروا إنعامه عليكم واذكروا نعمته كائنة عليكم وكذلك كلمة إذ في قوله تعالى (إذ أنجاكم من آل فرعون) إي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائه إياكم من آل فرعون أو اذكروا نعمة الله مستقرة عليكم وقت إنجائه إياكم منهم أو بدل اشتمال من نعمة الله مرادا بها الإنعام أو العطية (يسومونكم) يبغونكم من سامه خسفا إذا أولاه ظلما وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء (سوء العذاب) السوء مصدر ساء يسوء والمراد به جنس العذاب السيء أو استبعادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة والاستهانة بهم وغير ذلك مما لا يحصرو نصبه على أنه مفعول ليسومونكم (ويذبحون أبناءكم) المولودين وإنما عطفه على يسومونكم إخراجا له عن مرتبة العذاب المعتاد وإنما فعلوا ذلك لأن فرعون رأى في المنام أو قال له الكهنة أنه سيولد منهم من يذهب بملكه فاجتهدوا في ذلك فلن يغن عنهم من قضاء الله شيئا (ويستحيون نساءكم) أي يبقونهن في الحياة مع الذل والصغار ولذلك عد من جملة البلاء والجمل أحوال من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعا لأن فيها ضمير كل منهما (وفي ذلكم) أي فيما ذكر من أفعالهم الفظيعة (بلاء من ربكم) أي ابتلاء منه لا أن البلاء عين تلك الأفعال اللهم إلا أن تجعل في تجريدية فنسبته إلى الله تعالى إما من حيث الخلق أو الأقدار والتمكين (عظيم) لا يطاق ويجوز أن يكون المشار إليه الإنجاء من ذلك والبلاء الابتلاء بالنعمة وهو الأنسب كما يلوح به التعرض لوصف الربوبية وعلى الأول يكون ذلك باعتبار المآل الذي هو الإنجاء أو باعتبار أن بلاء المؤمن تربية له (وإذ تأذن ربكم) من جملة موسى عليه الصلاة والسلام لقومه معطوف على نعمة الله أي اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم أي آذن إيذانا بليغا لا تبقى معه شائبة لما في صيغة التفعل من معنى التكلف المحمول في حقه سبحانه على غايته التي هي الكمال وقيل هو معطوف على قوله تعالى إذ أنجاكم أي اذكروا نعمته تعالى في هذين الوقتين فإن هذا التأذن أيضا نعمة من الله تعالى عليهم ينالون بها خيرى الدنيا والآخرة وفي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وإذ قال ربكم ولقد ذكرهم عليه الصلاة والسلام أولا بنعمائه تعالى
(٣٤)