إلى المعطوفين أو وأعلموا ذلك فلم يقنطوا من إيمانهم فهو متوجه إلى وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه أي إلى تخلف القنوط عن العلم المذكور والإنكار على التقديرين إنكار الواقع كما في قوله تعالى «أفلا تتقون» ونظائره لا إنكار الوقوع فإن عدم قنوطهم منه مما لا مرد له وقوله تعالى أن لو يشاء الله الخ متعلق بمحدوف أي أفلم ييأسوا من إيمانهم علما منهم أو عالمين بأنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وأنه لم يشأ ذلك أو بآمنوا أي أفلم يقنط الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا على معنى أفلم ييأس من إيمانهم المؤمنون بمضمون الشرطية وبعدم تحقق مقدمها المنفهم من مكابرتهم حسبما تحكيه كلمة لو فالوصف المذكور من دواعي إنكار يأسهم وقيل أن أبا جهل وأضرابه قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت نبيا سير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا ونتخذ فيها لبساتين والقطائع وقد سخرت لداود عليه السلام فلست بأهون على الله منه إن كنت نبيا كما زعمت أو سخر لنا به الريح كما سخرت لسليمان عليه السلام لنتجر عليها إلى الشام فقد شق علينا قطع الشقة البعيدة أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا فنزلت فمعنى تقطيع الأرض حينئذ قطعها بالسير ولا حاجة حينئذ إلى الاعتذار في إسناد الأفاعيل المذكورة إلى القرآن كما احتيج إليه في الوجهين الأولين وعن القراء أنه متعلق بما قبله من قوله وهم يكفرون بالرحمن وما بينهما اعتراض وهو بالحقيقة دال على الجواب والتقدير ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكفروا بالرحمن والتذكير في كلم به الموتى لتغليب المذكر من الموتى على غيره «ولا يزال الذين كفروا» من أهل مكة «تصيبهم بما صنعوا» أي بسبب ما صنعوه من الكفر والتمادي فيه وعدم بيانه إما للقصد إلى تهويله أو استهجانه وهو تصريح بما أشعر به بناء الحكم على الموصول من عليه الصلة له مع ما في صيغة الصنع من الإيذان برسوخهم في ذلك «قارعة» داهية تقرعهم وتقلقهم وهو ما كان يصيبهم من أنواع البلايا والمصائب من القتل والأسر والنهب والسلب وتقديم المجرور على الفاعل لما مر مرارا من إرادة التفسير إثر الإبهام لزيادة التقرير والإحكام مع ما فيه من بيان أن مدار الإصابة من جهتهم آثر ذي أثير «أو تحل» تلك القارعة «قريبا» أي مكانا قريبا «من دارهم» فيفزعون منها أو يتطاير إليهم شرارها شبهت القارعة بالعدو المتوجه إليهم فاسند إليها الإصابة تارة والحلول أخرى ففيه استعارة بالكناية وتخييل وترشيح «حتى يأتي وعد الله» أي موتهم أو القيامة فإن كلا منهما وعد محتوم ولا مرد له وفيه دلالة على أن ما يصيبهم عند ذلك من العذاب في غاية الشدة وأن ما ذكر سابقة نفحة يسيرة بالنسبة ألية ثم حقق ذلك بقوله تعالى «إن الله لا يخلف الميعاد» أي الوعد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة لاستحالة ذلك على الله سبحانه وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها وكانوا بين إغارة واختطاف وتخويف بالهجوم عليهم في ديارهم فالإصابة والحلول حينئذ من أحوالهم ويجوز على هذا أن يكون قوله تعالى أو تحل قريبا من دارهم خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم مرادا به حلوله الحديبية والمراد بوعد الله ما وعد به من فتح مكة «ولقد استهزئ برسل» كثيرة حلت «من قبلك فأمليت للذين كفروا» أي تركتهم ملاوة من الزمان في أمن
(٢٣)