تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٨٧
بمن يحترف به وأن اللغات توقيفية إذ الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو بعموم وتعليمها ظاهر في إلقائها على المتعلم مبينا له معانيها وذلك يستدعي سابقة وضع وما هو إلا من الله تعالى وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم والإلزام التكرار وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة والحكماء منعوا ذلك في الطبقة العليا منهم وحملوا على ذلك قوله تعالى «وما منا إلا له مقام معلوم» وأن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه عليه السلام أعلم منهم وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها «وإذ قلنا للملائكة» عطف على الظرف الأول منصوب بما نصبه من المضمر أو بناصب مستقل معطوف على ناصبه عطف القصة على القصة أي واذكر وقت قولنا لهم وقيل بفعل دل عليه الكلام أي أطاعوا وقت قولنا الخ وقد عرفت ما في أمثاله وتخصيص هذا القول بالذكر مع كون مقتضى الظاهر إيراده على منهاج ما قبله من الأقوال المحكية المتصلة به للإيذان بأن ما في حيزه نعمة جليلة مستقلة حقيقة بالذكر والتذكير على حيالها والالتفات إلى التكلم لإظهار الجلالة وتربية المهابة مع ما فيه من تأكيد الاستقلال وكذا إظهار الملائكة في موضع الإضمار والكلام في اللام وتقديمها مع مجرورها على المفعول كما مر وقرئ بضم تاء الملائكة اتباعا لضم الجيم في قوله تعالى «اسجدوا لآدم» كما قرئ بكسر الدال في قوله تعالى «الحمد لله» اتباعا لكسر اللام وهي لغة ضعيفة والسجود في اللغة الخضوع والتطامن وفي الشرع وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة فقيل أمروا بالسجود له عليه السلام على وجه التحية والتكرمة تعظيما له واعترافا بفضله وأداء لحق التعليم واعتذارا عما وقع منهم في شأنه وقيل أمروا بالسجود له تعالى وإنما كان آدم قبلة لسجودهم تفخيما لشأنه أو سببا لوجوبه فكأنه تعالى لما برأه أنموذجا للمبدعات كلها ونسخة منطوية على تعلق العالم الروحاني بالعالم الجسماني وامتزاجها على نمط بديع أمرهم بالسجود له تعالى لما عاينوا من عظيم قدرته فاللام فيه كما في قول حسان رضي الله عنه * أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن * أو في قوله تعالى «أقم الصلاة لدلوك الشمس» والأول هو الأظهر وقوله عز وجل «فسجدوا» عطف على قلنا والفاء لإفادة مسارعتهم إلى الامتثال وعدم تلعثمهم في ذلك روى عن وهب أن أول من سجد جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة عليهم السلام وقوله تعالى «إلا إبليس» استثناء متصل لما أنه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة متصفا بصفاتهم فغلبوا عليه في فسجدوا ثم استثنى استثناء واحد منهم أو لأن من الملائكة جنسا يتوالدون يقال لهم الجن كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو منهم أو لأن الجن أيضا كانوا مأمورين بالسجود له لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم أو منقطع وهو اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف ومن جعله مشتقا من الإبلاس وهو إلباس قال إنه مشبه بالعجمة حيث لم يسم به أحد فكان كالاسم الأعجمي واعلم أن الذي تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة الأعراف من قوله
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271