على الإخبار للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها فإن النبأ إنما يطلق على الخبر الخطير والأمر العظيم «إن كنتم صادقين» أي في زعمكم انكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته كما ينبئ عنه مقالكم والتصديق كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه قد يتطرق إليه باعتبار ما يلزمه من الأخبار فإن أدني مراتب الاستحقاق هو الوقوف على أسماء ما في الأرض وأما ما قيل من أن المعنى في زعمكم أني استخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء فليس مما يقتضيه المقام وإن أول بأن يقال في زعمكم أني استخلف من غالب أمره الإفساد وسفك الدماء من غير أن يكون له مزية من جهة أخرى إذ لا تعلق له بأمرهم بالإنباء وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليه «قالوا» استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل فماذا قالوا حينئذ هل خرجوا عن عهده ما كلفوه أولا فقيل قالوا «سبحانك» قيل هو علم للتسبيح ولا يكاد يستعمل الا مضافا وقد جاء غير مضاف على الشذوذ غير منصرف للتعريف والألف والنون المزيدتين كما في قوله * سبحان من علقمة الفاخر * وأما ما في قوله * سبحانه ثم سبحانا نعوذ به * فقيل صرفه للضرورة وقيل إنه مصدر منكر كغفران لا اسم مصدر ومعناه على الأول نسبحك عما لا يليق بشأنك الأقدس من الأمور التي من جملتها خلو أفعالك من الحكم والمصالح وعنوا بذلك تسبيحا ناشئا عن كمال طمأنينة النفس والإيقان باشتمال استخلاف آدم عليه السلام على الحكم البالغة وعلى الثاني تنزهت عن ذلك تنزها ناشئا عن ذاتك وأراد به انهم قالوه عن إذعان لما عملوا إجمالا بأنه عليه السلام يكلف ما كلفوه وأنه يقدر على ما قد عجزوا عنه مما يتوقف عليه الخلافة وقوله عز وعلا «لا علم لنا إلا ما علمتنا» اعتراف منهم بالعجز عما كلفوه إذ معناه لا علم لنا إلا ما عملتناه بحسب فابليتنا من العلوم المناسبة لعالمنا ولا قدرة بنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادنا حتى لو كنا مستعدين لذلك لأفضته علينا وما في ما علمتنا موصولة حذف من صلتها عائدها أو مصدرية ولقد نفوا عنهم العلم بالأسماء على وجه المبالغة حيث لم يقتصروا على بيان عدمه بأن قالوا مثلا لا علم لنا بها بل جعلوه من جملة مالا يعلمونه وأشعروا بأن كونه من تلك الجملة غنى عن البيان «إنك أنت العليم» الذي لا يخفى عليه خافية وهذا إشارة إلى تحقيقهم لقوله تعالى «إني أعلم ما لا تعلمون» «الحكيم» أي المحكم لمصنوعاته الفاعل لها حسبما يقتضيه الحكمة والمصلحة وهو خبر بعد خبر أو صفة للأول وأنت ضمير الفصل لا محل له من الإعراب أو له محل منه مشارك لما قبله كما قاله الفراء أو لما بعده كما قاله الكسائي وقيل تأكيد للكاف كما في قولك مررت بك أنت وقيل مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر أن وتلك الجملة تعليل لما سبق من قصر علمهم بما علمهم الله تعالى وما يفهم من ذلك من علم آدم عليه السلام بما خفى عليهم فكأنهم قالوا أنت العالم بكل المعلومات التي من جملتها استعداد آدم عليه السلام لما نحن بمعزل من الاستعداد له من العلوم الخفية المتعلقة بما في الأرض من أنواع المخلوقات التي عليها يدور فلك خلافة الحكيم الذي لا يفعل ألا ما تقتضيه الحكمة ومن جملته تعليم آدم عليه السلام ما هو قابل من العلوم الكلية والمعارف الجزئية المتعلقة بالأحكام الواردة على ما في الأرض وبناء امر الخلافة
(٨٥)