سورة المائدة من قوله تعالى بأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية وقرئ خطوات بسكون الطاء وهما لغتان في جمع خطوة وهي ما بين قدمي الخاطى وقرئ بضمتين وهمزة جعلت الضمة على الطاء كأنها على الواو وبفتحتين على أنها جمع خطوة وهي المرة من الخطو «إنه لكم عدو مبين» تعليل للنهي أي ظاهر العدواة عند ذوي البصيرة وإن كان يظهر الولاية لمن يغويه ولذلك سمى وليا في قوله تعالى أولياؤهم الطاغوت «إنما يأمركم بالسوء والفحشاء» استئناف لبيان كيفية عداوته وتفصيل لفنون شره وإفساده وانحصار معاملته معهم في ذلك والسوء في الأصل مصدر ساءه يسوؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه يطلق على جميع المعاصي سواء كانت من أعمال الجوارح أو أفعال القلوب لاشتراك كلها في انها تسوء صاحبها والفحشاء أقبح أنواعها وأعظمها مساءة «وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» عطف على الفحشاء أي وبأن تفتروا على الله بأنه حرم هذا وذاك ومعنى مالا تعلمون مالا تعلمون ان الله تعالى أمر به وتعليق أمره بتقولهم على الله تعالى مالا يعلمون وقوعه منه تعالى لا بتقولهم عليه ما يعلمون عدم وقوعه منه تعالى مع أن حالهم ذلك للمبالغة في الزجر فإن التحذير من الأول مع كونه في القبح والشناعة دون الثاني تحذير عن الثاني على أبلغ وجه وآكده وللإيذان بأن العاقل يجب عليه أن لا يقول على الله تعالى مالا يعلم وقوعه منه تعالى مع الاحتمال فضلا عن أن يقول عليه ما يعلم عدم وقوعه منه تعالى قالوا وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأسا وأما اتباع المجتهد لما أدى اليه ظنه فمستند إلى مدرك شرعي فوجوبه قطعي والظن في طريقة «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله» التفات إلى الغيبة تسجيلا بكمال ضلالهم وإيذانا بإيجاب تعداد ما ذكر من جناياتهم لصرف الخطاب عنهم وتوجيهه إلى العقلاء وتفصيل مساوى أحوالهم لهم على نهج المباثة أي إذا قيل لهم على وجه النصيحة والإرشاد اتبعوا كتاب الله الذي انزله «قالوا» لا نتبعه «بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا» أي وجدناهم عليه إما على ان الظرف متعلق بمحذوف وقع حالا من آباءنا والفينا متعد إلى واحد واما على انه مفعول ثان له مقدم على الأول نزلت في المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما انزل الله تعالى من الحجج الظاهرة والبينات الباهرة فجنحوا للتقليد والموصول إما عبارة عما سبق من اتخاذ الأنداد وتحريم الطيبات ونحو ذلك وإما باق على عمومه وما ذكره داخل فيه دخولا أوليا وقيل نزلت في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنهم كانوا خيرا منا واعلم فعلى هذا يعم ما انزل الله تعالى التوراة لأنها أيضا تدعو إلى الإسلام وقوله عز وجل «أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون» استئناف مسوق من جهته تعالى ردا لمقالتهم الحمقاء وإظهارا لبطلان آرائهم والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والتعجيب منه لا
(١٨٨)