تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٨٦
المؤمنون فالمعنى حبا كائنا كحب المؤمنين له تعالى فلا بد من اعتبار المشابهة بينهما في أصل الحب لا في وصفه كما أو كيفا لما سيأتي من التفاوت البين وقيل هو مصدر من المبنى للمفعول أي كما يحب الله تعالى ويعظم وإنما استغنى عن ذكر من يحبه لأنه غير ملبس وأنت خبير بأنه لا مشابهة بين محبيتهم لأندادهم وبين محبوبيته تعالى فالمصير حينئذ ما أسلفناه في تفسير قوله عز قائلا كما سئل موسى من قبل وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتربية المهابة وتفخيم المضاف وإبانة كمال قبح ما ارتكبوه «والذين آمنوا أشد حبا لله» جملة مبتدأة جئ بها توطئة لما يعقبها من بيان رخاوة حبهم وكونه حسرة عليهم والمفضل عليه محذوف أي المؤمنين أشد حبا له تعالى منهم لأندادهم ومآله ان حب أولئك له تعالى أشد من حب هؤلاء لأندادهم فيه من الدلالة على كون الحب مصدرا من المبنى للفاعل مالا يخفى وإنما لم يجعل المفضل عليه حبهم لله تعالى لما أن المقصود بيان انقطاعه وانقلابه بغضا وذلك إنما يتصور في حبهم لأندادهم لكونه منوطا بمبان فاسدة ومباد موهومة يزول بزوالها قيل ولذلك كانوا يعدلون عنها عند الشدائد إلى الله سبحانه وكانوا يعبدون صنما أياما فإذا وجدوا آخر رفضوه إليه وقد اكلت باهله إلهها عام المجاعة وكان من حيس وأنت خبير بأن مدار ذلك اعتبار اختلال حبهم لها في الدنيا وليس الكلام فيه بل في انقطاعه في الآخرة عند ظهور حقيقة الحال ومعاينة الأهوال كما سيأتي بل اعتباره مخل بما يقتضيه مقام المبالغة في بيان كمال قبح ما ارتكبوه وغاية عظم ما اقترفوه وإيثار الإظهار في موضع الإضمار لتفخيم الحب والإشعار بعلته «ولو يرى الذين ظلموا» أي باتخاذ الأنداد ووضعها موضع المعبود «إذ يرون العذاب» المعد لهم يوم القيامة أي لو علموا إذا عاينوه وإنما أوثر صيغة المستقبل لجريانها مجرى الماضي في الدلالة على التحقيق في إخبار علام الغيوب «أن القوة لله جميعا» ساد مسد مفعولي يرى «وأن الله شديد العذاب» عطف عليه وفائدته المبالغة في تهويل الخطب وتفظيع الأمر فإن اختصاص القوة به تعالى لا يوجب شدة العذاب لجواز تركه عفوا مع القدرة عليه وجواب لو محذوف للإيذان بخروجه عن دائرة البيان إما لعدم الإحاطة بكنهه وإما لضيق العبارة عنه وإما لإيجاب ذكره مالا يستطيعه المعبر أو المستمع من الضجر والتفجع عليه أي لو علموا إذ رأوا العذاب قد حل بهم ولم ينقذهم منه أحد من اندادهم ان القوة لله جميعا ولا دخل لاحد في شئ أصلا لوقعوا من الحسرة والندم فيما لا يكاد يوصف وقرئ ولو ترى بالتاء الفوقانية على ان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب فالجواب حينئذ لرأيت امرا لا يوصف من الهول والفظاعة وقرئ إذ يرون على البناء للمفعول «وأن الله شديد العذاب» على الاستئناف وإضمار القول «إذ تبرأ الذين اتبعوا» بدل من إذ يرون أي إذ تبرأ الرؤساء «من الذين اتبعوا» من الاتباع بأن اعترفوا ببطلان ما كانوا يدعونه في الدنيا ويدعونهم اليه من فنون الكفر والضلال واعتزلوا عن مخالطتهم وقابلوهم باللعن كقول إبليس اني كفرت بما أشر كتموني من قبل وقرئ بالعكس أي تبرأ الاتباع من الرؤساء والواو في قوله عز وجل «ورأوا العذاب»
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271