البر اسم جامع لمراضى الخصال والخطاب لأهل الكتابين فإنهم كانوا أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت إلى الكعبة وكان كل فريق يدعى خيرية التوجه إلى قبلته من القطرين المذكورين وتقديم المشرق على المغرب مع تأخر زمان الملة النصرانية إما لرعاية ما بينهما من الترتيب المتفرع على ترتيب الشروق والغروب وإما لأن توجه اليهود إلى المغرب ليس لكونه مغربا بل لكون بيت المقدس من المدينة المنورة واقعا في جانب الغرب فقيل لهم ليس البر ما ذكرتم من التوجه إلى تينك الجهتين على أن البر خبر ليس مقدما على اسمها كما في قوله * سلى أن جهلت الناس عنى وعنهم * فليس سواء عالم وجهول * وقوله * أليس عظيما أن تلم ملمة * وليس علينا في الخطوب مقول * وإنما أخر ذلك أن المصدر المؤول أعرف من المحلى باللام لأنه يشبه الضمير من حيث أنه لا يوصف ولا يوصف به والأعرف أحق بالاسمية ولأن في الاسم طولا فلو روعى الترتيب المعهود لفات تجاوب أطراف النظم الكريم وقرئ برفع البر على أنه اسمها وهو أقوى بحسب المعنى لأن كل فريق يدعى أن البر هذا فيجب أن يكون الرد موافقا لدعواهم وما ذلك إلا بكون البر اسما كما يفصح عنه جعله مخبرا عنه في الاستدراك بقوله عز وجل «ولكن البر من آمن بالله» وهو تحقيق للحق بعد بيان بطلان الباطل وتفصيل لخصال البر مما لا يختلف باختلاف الشرائع وما يختلف باختلافها أي ولكن البر المعهود الذي يحق أن يهتم بشأنه ويجد في تحصيله بر من آمن بالله وحده إيمانا بريئا من شائبة الإشراك لا كإيمان اليهود والنصارى والمشركين بقولهم عزيز ابن الله وقولهم المسيح ابن الله «واليوم الآخر» أي على ما هو عليه لا كما يزعمون من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ففيه تعريض بان إيمان أهل الكتابين حيث لم يكن كما ذكر من الوجه الصحيح لم يكن إيمانا وفي تعليق البر بهما من أول الأمر عقيب نفيه عن التوجه إلى المشرق والمغرب من الجزالة مالا يخفى كأنه قيل ولكن البر هو التوجه إلى المبدأ والمعاد اللذين هما المشرق والمغرب في الحقيقة «والملائكة» أي وآمن بهم وبأنهم عباد مكرمون متوسطون بينه تعالى وبين أنبيائه بإلقاء الوحي وإنزال الكتب «والكتاب» أي بجنس الكتاب الذي من افراده الفرقان الذي نبذوه وراء ظهورهم وفيه تعريض بكتمانهم نعوت النبي صلى الله عليه وسلم واشترائهم بما انزل الله تعالى ثمنا قليلا «والنبيين» جميعا من غير تفرقة بين أحد منهم كما فعل أهل الكتابين ووجه توسيط الكتاب بين حملة الوحي وبين النبيين واضح وسيأتي في قوله تعالى كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله «وآتى المال على حبه» حال من الضمير في آتي والضمير المجرور للمال أي آتاه كائنا على حب المال في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الصدقة أفضل لان تؤتيه وأنت صحيح شحيح وقول ابن مسعود رضي الله عنه أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقيل الضمير لله تعالى أي آتاه كائنا على محبته تعالى لا على قصد الشر والفساد ففيه نوع تعريض لباذلي الرشي وآخذيها لتغيير التوراة وقيل للمصدر أي كائنا على حب الإيتاء «ذوي القربى» مفعول أول لآتي قدم عليه مفعوله الثاني أعنى المال للاهتمام به أو لأن في الثاني مع ما عطف عليه طولا لو روعى الترتيب لفات تجاوب الأطراف
(١٩٣)