تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١١٥
بالعظات والقوارع التي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور وايراد الفعل المفيد لحدوث القساوة مع أن قلوبهم لم تزل قاسية لما أن المراد بيان بلوغهم إلى مرتبة مخصوصة من مراتب القساوة حادثة واما لأن الاستمرار على سئ بعد ورود ما يوجب الاقلاع عنه أمر جديد وصنع حادث وثم لاستبعاد القسوة بعد مشاهدة ما يزيلها كقوله تعالى «ثم الذين كفروا بربهم يعدلون» «من بعد ذلك» إشارة إلى ما ذكر من إحياء القتيل أو إلى جميع ما عدد من الآيات الموجبة للين القلوب وتوجيهها نحو الحق أي من بعد سماع ذلك وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته وعلو طبقته وتوحيد حرف الخطاب مع تعدد المخاطبين إما بتأويل الفريق أو لأن المراد مجرد الخطاب لا تعيين المخاطب كما هو المشهور «فهي كالحجارة» في القساوة «أو أشد» منها «قسوة» أي هي في القسوة مثل الحجارة أو زائدة عليها فيها أو أنها مثلها أو مثل ما هو أشد منها قسوة كالحديد وحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه ويعضده القراءة بالجر عطفا على الحجارة وايراد الجملة اسمية مع كون ما سبق فعلية للدلالة على استمرار قساوة قلوبهم والفاء اما لتفريع مشابهتها لها على ما ذكر من القساوة تفريع التشبيه على بيان وجه الشبه في قولك أحمر خده فهو كالورد واما للتعليل كما في قولك اعبد ربك فالعبادة حق له وانما لم يقل أو أقسى منها لما في التصريح بالشدة من زيادة مبالغة ودلالة ظاهرة على اشتراك القسوتين في الشدة واشتمال المفضل على زيادة واو للتخيير أو للترديد بمعنى ان من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة وترك ضمير المفضل عليه للأمن من الالتباس «وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار» بيان لأشدية قلوبهم من الحجارة في القساوة وعدم التأثر واستحالة صدور الخير منها يعني أن الحجارة ربما تتأثر حيث يكون منها ما يتفجر منه المياه العظيمة «وإن منها لما يشقق» أي يتشقق «فيخرج منه الماء» أي العيون «وإن منها لما يهبط من خشية الله» أي يتردى من الاعلى إلى الأسفل بقضية ما أودعه الله عز وجل فيها من الثقل الداعي إلى المركز وهو مجاز من الانقياد لأمره تعالى والمعنى أن الحجارة ليس منها فرد الا وهو منقاد لأمره عز وعلا آت بما خلق له من غير استعصاء وقلوبهم ليست كذلك فتكون أشد منها قسوة لا محالة واللام في لما لام الابتداء دخلت على اسم إن لتقدم الخبر وقرئ أن على أنها مخففة من الثقيلة واللام فارقة وقرئ يهبط بالضم «وما الله بغافل عما تعملون» عن متعلقة بغافل وما موصلة والعائد محذوف أو مصدرية وهو وعيد شديد على ما هم عليه من قساوة القلوب وما يترتب عليها من الاعمال السيئة وقرئ بالياء على الالتفات وقوله تعالى
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271