تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٠٠
بدرهم فتوجه به إلى السوق فكل من لقيه من المكاسين أخذوا منه بطيخا فدخل البلد وما معه إلا بطيخة فذة باعها بدرهم ومضى لوجهه ورأى أهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بهم وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتا يدفن فتعرض لأوليائه فقال أنا المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطوني خمسة دراهم فدفعوها إليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع في مقدار ثلاثة أشهر مالا عظيما ولم يتعرض له أحد قط إلى أن تعرض يوما لأولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فأبوا ذلك فقالوا من نصبك هذا المنصب فذهبوا به إلى فرعون فقال من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال لم يقمنى أحد وإنما فعلت ما فعلت ليحضرني أحد إلى مجلسك فأنبهك على اختلال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فأحضره ودفعه إلى فرعون فقال ولنى أمورك ترني أمينا كافيا فولاه إياها فسار بهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت أحوال الرعية ولبث فبهم دهرا طويلا وترامى أمره في العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من امره ما كان وكان فرعون يوسف ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة «يسومونكم» أي يبغونكم من سامة خسفا إذا أولاه ظلما وأصله الذهاب في طلب الشئ «سوء العذاب» أي أفظعه وأقبحه بالنسبة إلى سائره والسوء مصدر من ساء يسوء ونصبه على المفعوليه ليسومونكم والجلمة حال من الضمير في نجيانكم أو من آل فرعون أو منهما جميعا لاشتمالها على ضميريهما «يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم» بيان ليسومونكم ولذلك ترك العطف بينهما وقرئ يذبحون بالتخفيف وإنما فعلوا بهم ما فعلوا لما أن فرعون رأى في المنام أو أخبره الكهنة أنه سيولد منهم من يذهب بملكة فلم يرد اجتهادهم من قضاء الله عز وجل شيئا قيل قتلوا بتلك الطريقة تسعمائة ألف مولود وتسعين ألفا وقد أعطى الله عز وجل نفس موسى عليه السلام من القوة على التصرف ما كان يعطيه أولئك المقتولين لو كانوا أحياء ولذلك كانت معجزاته ظاهرة باهرة «وفي ذلكم» إشارة إلى ما ذكر من التذبيح والاستحياء أو إلى الإنجاء منه وجمع الضمير للمخاطبين فعلى الأول معنى قوله تعالى «بلاء» محنة وبلية وكون استحياء نسائهم أي استبقائهن على الحياة محنة مع أنه عفو وترك للعذاب لما أن ذلك كان للاستعمال في الأعمال الشاقة وعلى الثاني نعمة وأصل البلاء الاختبار ولكن لما كان ذلك في حقه سبحانه محالا وكان ما يجرى مجرى الاختبار لعباده تارة بالمحنة وأخرى بالمنحة أطلق عليهما وقيل يجوز أن يشار بذلكم إلى الجملة ويراد بالبلاء القدر المشترك الشامل لهما «عظيم» صفة لبلاء وتنكيرهما للتفخيم وفي الآية الكريمة تنبيه على أن ما يصيب العبد من السراء والضراء من قبيل الاختبار فعليه الشكر في المسار والصبر على المضار «وإذ فرقنا بكم البحر» بيان لسبب التنجية وتصوير لكيفيتها إثر تذكيرها وبيان عظمها وهو لها وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق أي واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو متلبسا بكم كقوله تعالى «تنبت بالدهن» أو بسبب إنجائكم وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك وقرئ
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271