رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبين قدر الله، وإن الأجل حصن حصينة، وعلى هذا، " يحفظونه من أمر الله " أي بأمر الله وبإذنه، ف " من " بمعنى الباء، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. وقيل: " من " بمعنى عن، أي يحفظونه عن أمر الله، وهذا قريب من الأول، أي حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهذا قول الحسن، تقول: كسوته عن عري ومن عري، ومنه قوله عز وجل: " أطعمهم من جوع " (1) [قريش: 4] أي عن جوع. وقيل: يحفظونه من ملائكة العذاب، حتى لا تحل به عقوبة، لأن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة، وتزول عنهم الحفظة المعقبات. وقيل:
يحفظونه من الجن، قال كعب: لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن. وملائكة العذاب من أمر الله، وخصهم بأن قال:
" من أمر الله " لأنهم غير معاينين، كما قال: " قل الروح من أمر ربي " (2) [الإسراء: 85] أي ليس مما تشاهدونه أنتم. وقال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره، له معقبات من أمر الله من بين يديه ومن خلفه يحفظونه، وهو مروي عن مجاهد وأبن جريج والنخعي، وعلى أن ملائكة العذاب والجن من امر الله لا تقديم فيه ولا تأخير. وقال ابن جريج: إن المعنى يحفظون عليه عمله، فحذف المضاف. وقال قتادة: يكتبون أقواله وأفعاله. ويجوز إذا كانت المعقبات الملائكة أن تكون الهاء في " له " لله عز وجل، كما ذكرنا، ويجوز أن تكون للمستخفي، فهذا قول. وقيل: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه " يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الملائكة تحفظه من أعدائه، وقد جرى ذكر الرسول في قوله: " لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر " [الرعد: 7] أي سواء منكم من أسر القول ومن جهر به في أنه لا يضر النبي صلى الله عليه وسلم، بل له معقبات يحفظونه عليه السلام، ويجوز أن يرجع هذا إلى جميع الرسل، لأنه قد قال: " ولكل قوم هاد " [الرعد: 7] أي يحفظون الهادي من بين يديه ومن خلفه.
وقول رابع - أن المراد. بالآية السلاطين والأمراء الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم