ألا يحدث والده بشئ مما جرى أبدا، فقال له إخوته: والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب، والله لئن لم تدعه لنقتلنك معه، قال: فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجب الموحش القفر، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه، فإن أصيب بشئ من ذلك فهو المراد، وقد استرحتم من دمه، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد، فأجمع رأيهم على ذلك، فهو قول الله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب) وجواب " لما " محذوف، أي فلما ذهبوا به وأجمعوا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم. وقيل: جواب " لما " قولهم: " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق " [يوسف: 17]. وقيل:
التقدير فلما ذهبوا به من عند أبيهم وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها، هذا على مذهب البصريين، وأما على قول الكوفيين فالجواب. " أوحينا " والواو مقحمة، والواو عندهم تزاد مع لما وحتى، قال الله تعالى: " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها " (1) [الزمر: 73] أي فتحت وقوله: " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور " (2) [هود: 40] أي فار. قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى (3) أي انتحى، ومنه قوله تعالى: " فلما أسلما وتله للجبين وناديناه " [الصافات: 103 - 104] أي ناديناه (1). وفى قوله:
(وأوحينا إليه) دليل على نبوته في ذلك الوقت. قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة:
أعطاه الله النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء. وقال الكلبي: ألقى في الجب وهو ابن ثماني عشرة سنة، فما كان صغيرا، ومن قال كان صغيرا فلا يبعد في العقل أن يتنبأ الصغير ويوحى إليه. وقيل: كان وحى إلهام كقوله: " وأوحى ربك إلى النحل " (4). وقيل: كان مناما، والأول أظهر - والله أعلم - وأن جبريل جاءه بالوحي. قوله تعالى: (لتنبئنهم بأمرهم هذا) فيه وجهان: أحدهما - أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا، فعلى هذا يكون الوحي بعد إلقائه في الجب تقوية لقلبه، وتبشير له بالسلامة. الثاني - أنه أوحى إليه بالذي يصنعون به، فعلى هذا [يكون] الوحي قبل إلقائه