الثانية - وقد تمسك بعض العلماء بهذه الآية بأن أهل الديوان أعظم أجرا من أهل التطوع، لان أهل الديوان لما كانوا متملكين بالعطاء، ويصرفون في الشدائد، وتروعهم (1) البعوث والأوامر، كانوا أعظم من المتطوع، لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف (2) الكبار ونحوها. قال ابن محيريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون. قال مكحول:
روعات البعوث تنفي روعات القيامة.
الثالثة - وتعلق بها أيضا من قال: إن الغنى أفضل من الفقر، لذكر الله تعالى المال الذي يوصل به إلى صالح الأعمال. وقد اختلف الناس في هذه المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم، فذهب قوم إلى تفضيل الغني، لان الغني مقتدر والفقير عاجز، والقدرة أفضل من العجز. قال الماوردي: وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة. وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر، لان الفقير تارك والغني ملابس، وترك الدنيا أفضل من ملابستها. قال الماوردي: وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة. وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الامرين بأن يخرج عن حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الامرين، وليسلم من مذمة الحالين. قال الماوردي:
وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن (خير الأمور أوسطها). ولقد أحسن الشاعر الحكيم حيث قال:
ألا عائذا بالله من عدم الغنى * ومن رغبة يوما إلى غير مرغب الرابعة - قوله تعالى: (غير أولي الضرر) قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو (غير) بالرفع، قال الأخفش: هو نعت للقاعدين، لأنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير، والمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر. والمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء، قاله الزجاج. وقرأ أبو حياة (غير) جعله نعتا للمؤمنين، أي من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر من المؤمنين الأصحاء.