أهل العراق. والصحيح من قول مالك وأهل الحجاز: أن الزنى لا حكم له، لان الله سبحانه وتعالى قال: (وأمهات نسائكم) وليست التي زنى بها من أمهات نسائه، ولا ابنتها من ربائبه. وهو قول الشافعي وأبي ثور. لأنه لما ارتفع الصداق في الزنى ووجوب العدة والميراث ولحقوق الولد ووجوب الحد ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الجائز. وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: (لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح). ومن الحجة للقول الآخر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن جريج (1) وقوله:
(يا غلام من أبوك) قال: فلان الراعي. فهذا يدل على أن الزنى يحرم كما يحرم الوطئ الحلال، فلا تحل أم المزني بها ولا بناتها لآباء الزاني ولا لأولاده، وهي رواية ابن القاسم في المدونة. ويستدل به أيضا على أن المخلوقة من ماء الزنى لا تحل للزاني بأمها، وهو المشهور.
قال عليه السلام: (لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) ولم يفصل بين الحلال والحرام. وقال عليه السلام: (لا ينظر الله إلى من كشف قناع امرأة وابنتها).
قال ابن خويز منداد: ولهذا قلنا إن القبلة وسائر وجوه الاستمتاع ينشر الحرمة. وقال عبد الملك الماجشون: إنها تحل، وهو الصحيح لقوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) يعني بالنكاح الصحيح، على ما يأتي في (الفرقان (2)) بيانه.
ووجه التمسك من الحديث على تلك المسألتين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني، وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق الصبي بالشهادة له بذلك، وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن جريج في معرض المدح وإظهار كرامته، فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق الله تعالى وبإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فثبتت البنوة وأحكامها.
فإن قيل: فيلزم على هذا أن تجري أحكام البنوة والأبوة من التوارث والولايات وغير ذلك، وقد اتفق المسلمون على أنه لا توارث بينهما فلم تصح تلك النسبة؟