من بين العلماء إلى أن رضاع الكبير يوجب التحريم، وهو قول عائشة رضي الله عنها، وروي عن أبي موسى الأشعري، وروي عنه ما يدل على رجوعه عن ذلك، وهو ما رواه أبو حصين عن أبي عطية قال: قدم رجل بامرأته من المدينة فوضعت وتورم ثديها، فجعل يمصه ويمجه فدخل في بطنه جرعة منه، فسأل أبا موسى فقال: بانت منك، وأت ابن مسعود فأخبره، ففعل، فأقبل بالأعرابي إلى أبي موسى الأشعري وقال: أرضيعا ترى هذا الأشمط (1)! إنما يحرم من الرضاع ما ينبت اللحم والعظم. فقال الأشعري:
لا تسألوني عن شئ وهذا الحبر بين أظهركم. فقوله: (لا تسألوني) يدل على أنه رجع عن ذلك. واحتجت عائشة بقصة سالم مولى أبي حذيفة وأنه كان رجلا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل: (أرضعيه) خرجه الموطأ وغيره. وشذت طائفة فاعتبرت عشر رضعات، تمسكا بأنه كان فيما أنزل: عشر رضعات. وكأنهم لم يبلغهم الناسخ.
وقال داود: لا يحرم إلا بثلاث رضعات، واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان (2)). خرجه مسلم. وهو مروى عن عائشة وابن الزبير، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، وهو تمسك بدليل الخطاب، وهو مختلف فيه.
وذهب من عدا هؤلاء من أئمة الفتوى إلى أن الرضعة الواحدة تحرم إذا تحققت كما ذكرنا، متمسكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرضاع وعضد هذا بما وجد من العمل عليه بالمدينة وبالقياس على الصهر، بعلة أنه معنى طارئ يقتضي تأبيد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر. وقال الليث بن سعد: وأجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم. قال أبو عمر. لم يقف الليث على الخلاف في ذلك.
قلت: وأنص ما في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان) أخرجه مسلم في صحيحه. وهو يفسر معنى قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) أي أرضعنكم ثلاث رضعات فأكثر، غير أنه يمكن أن يحمل على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع، لقوله: (عشر رضعات معلومات. وخمس رضعات معلومات). فوصفها