أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم يكن نعتهما واحدا، فلا يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون (الظريفات) نعتا لنسائك ونساء زيد، فكذلك الآية لا يجوز أن يكون (اللاتي) من نعتهما جميعا، لان الخبرين مختلفان، ولكنه يجوز على معنى أعني. وأنشد الخليل وسيبويه:
ان بها أكتل أو رزاما * خويربين ينقفان الهاما (1) خويربين يعني لصين، بمعنى أعني. وينقفان: يكسران، نقفت رأسه كسرته. وقد جاء صريحا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج الام فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت) أخرجه (2) في الصحيحين الثانية - وإذا تقرر هذا وثبت فاعلم أن التحريم ليس صفة للأعيان، والأعيان ليست موردا للتحليل والتحريم ولا مصدرا، وإنما يتعلق التكليف بالامر والنهي بأفعال المكلفين من حركة وسكون، لكن الأعيان لما كانت موردا للأفعال أضيف الأمر والنهي والحكم إليها وعلق بها مجازا على معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحل به.
الثالثة - قوله تعالى: (أمهاتكم) تحريم الأمهات عام في كل حال لا يتخصص بوجه من الوجوه، ولهذا يسميه أهل العلم المبهم، أي لا باب فيه ولا طريق إليه لانسداد التحريم وقوته، وكذلك تحريم البنات والأخوات ومن ذكر من المحرمات. والأمهات جمع أمهة، يقال: أم وأمهة بمعنى واحد، وجاء القرآن بهما. وقد تقدم في الفاتحة (3) بيانه.
وقيل: إن أصل أم أمهة على وزن فعلة مثل قبرة وحمرة لطيرين، فسقطت وعادت في الجمع. قال الشاعر:
* أمهتي خندف والدوس (4) أبي * وقيل: أصل الام أمة، وأنشدوا:
تقبلتها عن أمة لك طالما * تثوب إليها في النوائب أجمعا