منزله لم يجد فيه سوى نحى سمن قد بقى فيه أثارة فشقه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرب (1) وهو يقول:
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها * ولا تجود يد إلا بما تجد الخامسة - اختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الاحكام التي هي في الدنيا، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا في الشرع، وأن هذه الآية أذنت بعدمه، قال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعا به، وينظر إلى هذا تكليف المصور أن يعقد شعيرة. واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أولا؟ فقالت فرقة: وقع في نازلة أبى لهب، لأنه كلفه بالايمان بجملة الشريعة، ومن جملتها أنه لا يؤمن، لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلى النار، وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن، فقد كلفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن. وقالت فرقة: لم يقع قط. وقد حكى الاجماع على ذلك.
وقوله تعالى: " سيصلى نارا (2) " معناه إن وافى، حكاه ابن عطية. " ويكلف " يتعدى إلى مفعولين أحدهما محذوف، تقديره عبادة أو شيئا. فالله سبحانه بلطفه وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة، وهجرة الانسان وخروجه من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته، لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ولا بالأمور المؤلمة، كما كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم، بل سهل ورفق ووضع عنا الإصر والاغلال التي وضعها على من كان قبلنا. فلله الحمد والمنة، والفضل والنعمة.
السادسة - قوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) يريد من الحسنات والسيئات. قاله السدى. وجماعة المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك، قال ابن عطية. وهو مثل قوله: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " " ولا تكسب كل نفس إلا عليها (3) ". والخواطر ونحوها ليست من كسب الانسان. وجاءت العبارة في الحسنات ب " لها " من حيث هي مما