أحدهما أن يكون قرية مأمونة، والثاني أن يشرع في أخذه كاللبن من الشاة والرطب من النخلة، ولم يقل ذلك أحد سواه. وهاتان المسألتان صحيحتان في الدليل، لان التعيين امتنع في السلم مخافة المزابنة والغرر، لئلا يتعذر عند المحل. وإذا كان الموضع مأمونا لا يتعذر وجود ما فيه في الغالب جاز ذلك، إذ لا يتيقن ضمان العواقب على القطع في مسائل الفقه، ولا بد من احتمال الغرر اليسير، وذلك كثير في مسائل الفروع، تعدادها في كتب المسائل. وأما السلم في اللبن والرطب مع الشروع في أخذه فهي مسألة مدنية اجتمع عليها أهل المدينة، وهي مبنية على قاعدة المصلحة، لان المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق أن يأخذ كل يوم ابتداء، لان النقد قد لا يحضره ولأن السعر قد يختلف عليه، وصاحب النخل واللبن محتاج إلى النقد، لان الذي عنده عروض لا يتصرف له. فلما اشتركا في الحاجة رخص لهما في هذه المعاملة قياسا على العرايا وغيرها من أصول الحاجات والمصالح. وأما الشرط الثاني وهو أن يكون موصوفا فمتفق عليه، وكذلك الشرط الثالث. والتقدير يكون من ثلاثة أوجه: الكيل، والوزن، والعدد، وذلك ينبنى على العرف، وهو إما عرف الناس وإما عرف الشرع.
وأما الشرط الرابع وهو أن يكون مؤجلا فاختلف فيه، فقال الشافعي: يجوز السلم الحال، ومنعه الأكثر من العلماء. قال ابن العربي: واضطربت المالكية في تقدير الاجل حتى ردوه إلى يوم، حتى قال بعض علمائنا: السلم الحال جائز. والصحيح أنه لا بد من الاجل فيه، لان المبيع على ضربين: معجل وهو العين، ومؤجل. فإن كان حالا ولم يكن عند المسلم إليه فهو من باب: بيع ما ليس عندك، فلا بد من الاجل حتى يخلص كل عقد على صفته وعلى شروطه، وتتنزل الأحكام الشرعية منازلها. وتحديده عند علمائنا مدة تختلف الأسواق في مثلها.
وقول الله تعالى: " إلى أجل مسمى " وقوله عليه السلام: " إلى أجل معلوم " يغنى عن قول كل قائل.
قلت - الذي أجازه علماؤنا من السلم الحال ما تختلف فيه البلدان من الأسعار، فيجوز السلم فيما كان بينه وبينه يوم أو يومان أو ثلاثة. فأما في البلد الواحد فلا، لان سعره واحد،