عذر من صغر أو كبر أو مرض. والابتلاء الاختبار. والنهر والنهر لغتان. واشتقاقه من السعة، ومنه النهار وقد تقدم (1). قال قتادة: النهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر بين الأردن وفلسطين. وقرأ الجمهور " بنهر " بفتح الهاء. وقرأ مجاهد وحميد الأعرج " بنهر " بإسكان الهاء. ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه مطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته [في الماء (2)] وعصى الامر فهو في العصيان في الشدائد أحرى، فروى أنهم أتوا النهر وقد نالهم عطش وهو في غاية العذوبة والحسن، فلذلك رخص للمطيعين في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال. وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم في غير الرفاهية، كما قال عروة:
* وأحسوا قراح الماء والماء بارد * قلت: ومن هذا المعنى قوله عليه السلام: " حسب المرء لقيمات يقمن صلبه ". وقال بعض من يتعاطى غوامض المعاني: هذه الآية مثل ضربه الله للدنيا فشبهها الله بالنهر والشارب منه والمائل إليها والمستكثر منها، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها، والمغترف بيده غرفة بالآخذ منها قدر الحاجة، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة.
قلت: ما أحسن هذا لولا ما فيه من التحريف في التأويل والخروج عن الظاهر، لكن معناه صحيح من غير هذا.
الثانية - استدل من قال أن طالوت كان نبيا بقوله: " إن الله مبتليكم " وأن الله أوحى إليه بذلك وألهمه، وجعل الالهام ابتلاء من الله لهم. ومن قال لم يكن نبيا قال:
أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر طالوت قومه بهذا، وإنما وقع هذا الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب. وقد ذهب قوم إلى أن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر أصحابه بإيقاد النار والدخول فيها تجربة لطاعتهم، لكنه حمل مزاحه على تخشين الامر الذي كلفهم، وسيأتي بيانه في " النساء (3) " إن شاء الله تعالى.