عصمت مالك ونفسك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله، فتقدم فقاتل حتى قتل. وقيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وعلى ذلك تأولها عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، قال علي وابن عباس: اقتتل الرجلان، أي قال المغير (1) للمفسد:
اتق الله، فأبى المفسد وأخذته العزة، فشرى المغير نفسه من الله وقاتله فاقتتلا. وقال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية، فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل. وقيل: إن عمر سمع ابن عباس يقول:
اقتتل الرجلان عند قراءة القارئ هذه الآية، فسأله عما قال ففسر له هذا التفسير، فقال له عمر، لله تلادك يا ابن عباس! وقيل: نزلت فيمن يقتحم القتال. حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقاتل حتى قتل، فقرأ أبو هريرة " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله "، ومثله عن أبي أيوب. وقيل: نزلت في شهداء غزوة الرجيع. وقال قتادة: هم المهاجرون والأنصار. وقيل: نزلت في علي رضي الله عنه حين تركه النبي صلى الله عليه وسلم على فراشه ليلة خرج إلى الغار، على ما يأتي بيانه في " براءة " إن شاء الله تعالى.
وقيل: الآية عامة، تتناول كل مجاهد في سبيل الله، أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر.
وقد تقدم حكم من حمل على الصف (2)، ويأتي ذكر المغير للمنكر وشروطه وأحكامه في " آل عمران " إن شاء الله تعالى.
و " يشري " معناه يبيع، ومنه " وشروه بثمن بخس (3) " أي باعوه، وأصله الاستبدال، ومنه قوله تعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة (4) ". ومنه قول الشاعر:
وإن كان ريب الدهر أمضاك في الأولى * شروا هذه الدنيا بجناته الخلد وقال آخر:
وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه البرد هنا اسم غلام. وقال آخر:
يعطى بها ثمنا فيمنعها * ويقول صاحبها ألا فاشر