الجزاء إتيانا كما سمى التخويف والتعذيب في قصة نمروذ إتيانا فقال: " فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم (1) ". وقال في قصة النضير: " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب "، وقال: " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها (2) ".
وإنما احتمل الاتيان هذه المعاني لان أصل الاتيان عند أهل اللغة هو القصد إلى الشئ، فمعنى الآية: هل ينظرون إلا أن يظهر الله تعالى فعلا من الافعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضى في أمرهم ما هو قاض، وكما أنه سبحانه أحدث فعلا سماه نزولا واستواء كذلك يحدث فعلا يسميه إتيانا، وأفعاله بلا آلة ولا علة، سبحانه! وقال ابن عباس في رواية أبى صالح: هذا من المكتوم الذي لا يفسر. وقد سكت بعضهم عن تأويلها، وتأولها بعضهم كما ذكرنا. وقيل: الفاء بمعنى الباء، أي يأتيهم بظلل، ومنه الحديث: " يأتيهم الله في صورة " أي بصورة امتحانا لهم. ولا يجوز أن يحمل هذا وما أشبهه مما جاء في القرآن والخبر على وجه الانتقال والحركة والزوال، لان ذلك من صفات الأجرام والأجسام، تعالى الله الكبير المتعال، ذو الجلال والاكرام عن مماثلة الأجسام علوا كبيرا. والغمام:
السحاب الرقيق الأبيض، سمى بذلك لأنه يغم، أي يستر، كما تقدم (3). وقرأ معاذ بن جبل " وقضاء الامر ". وقرأ يحيى بن يعمر " وقضى الأمور " بالجمع. والجمهور " وقضى الامر " فالمعنى وقع الجزاء وعذب أهل العصيان. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " ترجع الأمور " على بناء الفعل للفاعل، وهو الأصل، دليله " ألا إلى الله تصير الأمور (4) "، " إلى الله مرجعكم (5) ". وقرأ الباقون " ترجع " على بنائه للمفعول، وهي أيضا قراءة حسنة، دليله " ثم تردون (6) "، " ثم ردوا إلى الله (7) "، " ولئن رددت إلى ربى (8) " والقراءتان حسنتان بمعنى، والأصل الأولى، وبناؤه للمفعول توسع وفرع، والأمور كلها راجعة إلى الله قبل وبعد. وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا