طهرت من دم نفاسها - على ما قاله الخليل - فيحتمل أن يكون المراد به هاهنا تعلت من آلام نفاسها، أي استقلت من أوجاعها. ولو سلم أن معناه ما قال الخليل فلا حجة فيه، وإنما الحجة في قوله عليه السلام لسبيعة: " قد حللت حين وضعت " فأوقع الحل في حين الوضع وعلقه عليه، ولم يقل إذا انقطع دمك ولا إذا طهرت، فصح ما قاله الجمهور.
الرابعة - ولا خلاف بين العلماء على أن أجل كل حامل مطلقة يملك الزوج رجعتها أو لا يملك، حرة كانت أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أن تضع حملها.
واختلفوا في أجل الحامل المتوفى عنها كما تقدم، وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم أن رجلا لو توفى وترك امرأة حاملا فأنقضت أربعة أشهر وعشر أنها لا تحل حتى تلد، فعلم أن المقصود الولادة.
الخامسة - قوله تعالى: (يتربصن) التربص: التأني والتصبر عن النكاح، وترك الخروج عن مسكن النكاح وذلك بألا تفارقه ليلا. ولم يذكر الله تعالى السكنى للمتوفى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلقة بقوله تعالى: " أسكنوهن " وليس في لفظ العدة في كتاب الله تعالى ما يدل على الاحداد، وإنما قال: " يتربصن " فبينت السنة جميع ذلك. والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد، وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه، وهذا قول جمهور العلماء. وقال الحسن بن أبي الحسن: ليس الاحداد بشئ، إنما تتربص عن الزوج، ولها أن تتزين وتتطيب، وهذا ضعيف لأنه خلاف السنة على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفريعة بنت مالك بن سنان وكانت متوفى عنها: " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، وهذا حديث ثابت أخرجه مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، رواه عنه مالك والثوري ووهيب (1) بن خالد وحماد بن زيد وعيسى بن يونس وعدد كثير وابن عيينة والقطان وشعبة، وقد رواه مالك عن ابن شهاب