وقد روى عن (1) ابن عباس أنه رجع عن هذا. والحجة لما روى عن علي وابن عباس روم الجمع بن قوله تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " وبين قوله: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " وذلك أنها إذا قعدت أقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة، والجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول. وهذا نظر حسن لولا ما يعكر عليه من حديث سبيعة الأسلمية وأنها نفست بعد وفاة زوجها بليال، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج، أخرجه في الصحيح. فبين الحديث أن قوله تعالى: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود: ومن شاء باهلته أن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة. قال علماؤنا:
وظاهر كلامه أنها ناسخة لها وليس ذلك مراده. والله أعلم. وإنما يعنى أنها مخصصة لها، فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها. وكذلك حديث سبيعة متأخر عن عدة الوفاة، لان قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع، وزوجها هو سعد بن خولة وهو من بنى عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرا، توفى بمكة حينئذ وهي حامل، وهو الذي رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفى بمكة، وولدت بعده بنصف شهر. وقال البخاري: بأربعين ليلة.
وروى مسلم من حديث عمر بن عبد الله بن الأرقم أن سبيعة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالت: فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي. قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أن زوجها لا يقربها حتى تطهر، وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء. وقال الحسن والشعبي والنخعي وحماد: لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها. فاشترطوا شرطين: وضع الحمل، والطهر من دم النفاس. والحديث حجة عليهم، ولا حجة لهم في قوله: " فلما تعلت (2) من نفاسها تجملت للخطاب " كما في صحيح مسلم وأبى داود، لان " تعلت " وإن كان أصله