ابن عبد الرحمن: ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بقول عائشة في أن الأقراء هي الأطهار.
فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقى منه ولو ساعة ولو لحظة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة، ثم ثالثا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة. فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه الطلاق وقد أساء، واعتدت بما بقى من ذلك الطهر. وقال الزهري في امرأة طلقت في بعض طهرها: إنها تعتد بثلاثة أطهار سوى بقية ذلك الطهر. قال أبو عمر: لا أعلم أحدا ممن قال: الأقراء الأطهار يقول هذا غير ابن شهاب الزهري، فإنه قال: تلغى الطهر الذي طلقت فيه ثم تعتد بثلاثة أطهار، لان الله عز وجل يقول: " ثلاثة قروء ". قلت: فعلى قوله لا تحل المطلقة حتى تدخل في الحيضة الرابعة، وقول ابن القاسم ومالك وجمهور أصحابه والشافعي وعلماء المدينة: إن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة، وهو مذهب زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر، وبه قال أحمد ابن حنبل، وإليه ذهب داود بن علي وأصحابه. والحجة على الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في طلاق الطاهر من غير جماع، ولم يقل أول الطهر ولا آخره. وقال أشهب:
لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض، لئلا تكون دفعة دم من غير الحيض.
أحتج الكوفيون بقول عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش حين شكت إليه الدم: " إنما ذلك عرق فانظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلى وإذا مر القرء فتطهري ثم صلى من القرء إلى القرء ".
وقال تعالى: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر (1) ". فجعل المأيوس منه المحيض، فدل على أنه هو العدة، وجعل العوض منه هو الأشهر إذا كان معدوما.
وقال عمر بحضرة الصحابة: عدة الأمة حيضتان، نصف عدة الحرة، ولو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت، ولم ينكر عليه أحد. فدل على أنه إجماع منهم، وهو قول عشرة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة، وحسبك ما قالوا! وقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " يدل على ذلك، لان المعنى يتربصن ثلاثة أقراء، يريد كوامل،