وهذا لا يمكن أن يكون إلا على قولنا بأن الأقراء الحيض، لان من يقول: إنه الطهر يجوز أن تعتد بطهرين وبعض آخر، لأنه إذا طلق حال الطهر اعتدت عنده ببقية ذلك الطهر قرءا. وعندنا تستأنف من أول الحيض حتى يصدق الاسم، فإذا طلق الرجل المرأة في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة، فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت من العدة.
قلت: هذا يرده قوله تعالى: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام (1) " فأثبت الهاء في " ثمانية أيام "، لان اليوم مذكر وكذلك القرء، فدل على أنه المراد. ووافقنا أبو حنيفة على أنها إذا طلقت حائضا أنها لا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ولا بالطهر الذي بعدها، وإنما تعتد بالحيض الذي بعد الطهر. وعندنا تعتد بالطهر، على ما بيناه. وقد استجاز أهل اللغة أن يعبروا عن البعض بأسم الجميع، كما قال تعالى: " الحج أشهر معلومات " والمراد به شهران وبعض الثالث، فكذلك قوله: " ثلاثة قروء ". والله أعلم. وقال بعض من يقول بالحيض:
إذا طهرت من الثالثة انقضت العدة بعد الغسل وبطلت الرجعة، قاله سعيد بن جبير وطاوس وابن شبرمة والأوزاعي. وقال شريك: إذا فرطت المرأة في الغسل عشرين سنة فلزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل. وروى عن إسحاق بن راهويه أنه قال: إذا طعنت المرأة في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت رجعة الزوج. إلا أنها لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها. وروى نحوه عن ابن عباس، وهو قول ضعيف، بدليل قول الله تعالى:
" فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن " على ما يأتي (2). وأما ما ذكره الشافعي من أن نفس الانتقال من الطهر إلى الحيضة يسمى قرءا ففائدته تقصير العدة على المرأة، وذلك أنه إذا طلق المرأة في آخر ساعة من طهرها فدخلت في الحيضة عدته قرءا، وبنفس الانتقال من الطهر الثالث انقطعت العصمة وحلت. والله أعلم.
الخامسة - والجمهور من العلماء على أن عدة الأمة التي تحيض من طلاق زوجها حيضتان. وروى عن ابن سيرين أنه قال: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة، إلا أن