ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته (1) " أي في تلاوته. وقد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه، فلا معنى لإعادته (2). والشياطين هنا قيل: هم شياطين الجن، وهو المفهوم من هذا الاسم. وقيل: المراد شياطين الانس المتمردون في الضلال، كقول جرير:
أيام يدعونني الشيطان من غزلي * وكن يهوينني إذ كنت شيطانا الثانية - قوله تعالى: " وما كفر سليمان " تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحدا نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولكن لما كان السحر كفرا صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر. ثم قال: " ولكن الشياطين كفروا " فأثبت كفرهم بتعليم السحر. و " يعلمون: في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر ثان. وقرأ الكوفيون سوى عاصم " ولكن الشياطين " بتخفيف " لكن "، ورفع النون من " الشياطين "، وكذلك في الأنفال " ولكن الله رمى (3) " ووافقهم ابن عامر. الباقون بالتشديد والنصب. و " لكن " كلمة لها معنيان: نفي الخبر الماضي، وإثبات الخبر المستقبل، وهي مبنية من ثلاث كلمات: لا، ك، إن. " لا " نفي، و " الكاف " خطاب، و " إن " إثبات وتحقيق، فذهبت الهمزة استثقالا، وهي تثقل وتخفف، فإذا ثقلت نصبت كإن الثقيلة، وإذا خففت رفعت بها كما ترفع بإن الخفيفة.
الثالثة - السحر، قيل: السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائرة سيرا حثيثا يخيل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه. وقيل: هو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته، وكذلك إذا عللته، والتسحير مثله، قال لبيد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر