فكأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتى يغلبه، فيكون كمن ضرب به الجدالة.
قال الشاعر:
قد أركب الآلة بعد الآلة (1) * وأترك العاجز بالجداله * منعفرا لست له محاله * العاشرة - واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة، فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء: الجدال هنا أن تماري مسلما حتى تغضبه فينتهي إلى السباب، فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها. وقال قتادة: الجدال السباب. وقال ابن زيد ومالك بن أنس: الجدال هنا أن يختلف الناس: أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام، كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب، ثم يتجادلون بعد ذلك، فالمعنى على هذا التأويل: لا جدال في مواضعه. وقالت طائفة: الجدال هنا أن تقول طائفة: الحج اليوم، وتقول طائفة: الحج غدا. وقال مجاهد وطائفة معه: الجدال المماراة في الشهور حسب ما كانت عليه العرب من النسئ، كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة، ويقف بعضهم بجمع (2) وبعضهم بعرفة، ويتمارون في الصواب من ذلك.
قلت: فعلى هذين التأويلين لا جدال في وقته ولا في موضعه، وهذان القولان أصح ما قيل في تأويل قوله " ولا جدال "، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) الحديث، وسيأتي في " براءة " (3). يعني رجع أم الحج كما كان، أي عاد إلى يومه ووقته. وقال صلى الله عليه وسلم لما حج: (خذوا عني مناسككم) فبين بهذا مواقف الحج ومواضعه. وقال محمد بن كعب القرظي: الجدال أن تقول طائفة:
حجنا أبر من حجكم. ويقول الاخر مثل ذلك. وقيل: الجدال كان في الفخر بالاباء، والله أعلم.
الحادية عشرة - قوله تعالى: " وما تفعلوا من خير يعلمه الله " شرط وجوابه، والمعنى: أن الله يجازيكم على أعمالكم، لان المجازاة إنما تقع من العالم بالشئ. وقيل: