تواردت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيه أنه أمر أصحابه في حجته من لم يكن معه هدى ولم يسقه وقد كان أحرم بالحج أن يجعلها عمرة. وقد أجمع العلماء على تصحيح الآثار بذلك عنه صلى الله عليه وسلم ولم يدفعوا شيئا منها، إلا أنهم اختلفوا في القول بها والعمل لعلل فجمهورهم على ترك العمل بها، لأنها عندهم خصوص خص بها رسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجته تلك. قال أبو ذر: (كانت المتعة لنا في الحج خاصة. أخرجه مسلم. وفي رواية عنه أنه قال: (لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج). والعلة في الخصوصية ووجه الفائدة فيها ما قاله ابن عباس رضي الله عنه قال: (كانوا (1) يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون (2) المحرم صفرا ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة (3) مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله، أي الحل (4)؟ قال: (الحل كله). أخرجه مسلم. وفي المسند الصحيح لأبي حاتم عن ابن عباس قال: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. فقد كانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة، فما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة إلا لينقض ذلك من قولهم. ففي هذا دليل علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فسخ الحج في العمرة ليريهم أن العمرة في أشهر الحج لا بأس بها. وكان ذلك له ولمن معه خاصة، لان الله عز وجل قد أمر بإتمام الحج والعمرة كل من
(٣٩٣)