فيه خمس مسائل: الأولى - قوله تعالى: " ثقفتموهم " يقال: ثقف يثقف ثقفا وثقفا، ورجل ثقف لقف: إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور. وفي هذا دليل على قتل الأسير، وسيأتي بيان هذا في " الأنفال " (1) إن شاء الله تعالى. وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " أي مكة.
قال الطبري: الخطاب للمهاجرين، والضمير لكفار قريش.
الثانية قوله تعالى: " والفتنة أشد منن القتل " أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشد من القتل. قال مجاهد: أي من أن يقتل المؤمن، فالقتل أخف عليه من الفتنة. وقال غيره: أي شركهم بالله وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به. وهذا دليل على أن الآية نزلت في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله واقد بن عبد الله التميمي في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، حسب ما هو مذكور في سرية عبد الله بن جحش، على ما يأتي بيانه (2)، قاله الطبري وغيره.
الثالثة - قوله تعالى: " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " الآية. للعلماء في هذه الآية قولان: أحدهما - أنها منسوخة، والثاني - أنها محكمة. قال مجاهد: الآية محكمة، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلا بعد أن يقاتل، وبه قال طاوس، وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
وفي الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة). وقال قتادة: الآية منسوخة بقوله تعالى: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (3) [التوبة: 5]. وقال مقاتل: نسخها قوله تعالى: " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " ثم نسخ هذا قوله: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ". فيجوز الابتداء بالقتال في الحرم.