لا دليل فيه، لأنه عليه السلام قال لليهود: (أقركم [فيها] (1) ما أقركم الله). وهذا أدل دليل وأوضح سبيل على أن ذلك خصوص له، فكان ينتظر في ذلك القضاء من ربه، وليس كذلك غيره. وقد أحكمت الشريعة معاني الاجارات وسائر المعاملات، فلا يجوز شئ منها إلا على ما أحكمه الكتاب والسنة، وقال به علماء الأمة.
الخامسة - قوله تعالى: " مواقيت " المواقيت: جميع الميقات وهو الوقت.
وقيل: الميقات منتهى الوقت. و " مواقيت " لا تنصرف، لأنه جمع لا نظير له في الآحاد، فهو جمع ونهاية جمع، إذ ليس يجمع فصار كأن الجمع تكرر فيها.
وصرفت " قوارير " في قوله:
" قواريرا " (2) [الانسان: 16] لأنها وقعت في رأس آية فنونت كما تنون القوافي، فليس هو تنوين الصرف الذي يدل على تمكن الاسم.
السادسة - قوله تعالى: " والحج " بفتح الحاء قراءة الجمهور. وقرأ ابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن، وفي قوله: " حج البيت في " [آل عمران: 97] في " آل عمران " (3). سيبويه: الحج كالرد والشد، والحج كالذكر، فهما مصدران بمعنى وقيل: الفتح مصدر، والكسر الاسم.
السابعة - أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسئ فيه عن وقته، بخلاف ما رأته العرب، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور، فأبطل الله قولهم وفعلهم، على ما يأتي بيانه في " براءة " (4) إن شاء الله تعالى.
الثامنة - استدل مالك رحمه الله وأبو حنيفة وأصحابهما في أن الاحرام بالحج يصح في غير أشهر الحج بهذه الآية، لان الله تعالى جعل الأهلة كلها ظرفا لذلك، فصح أن يحرم في جميعها بالحج، وخالف في ذلك الشافعي، لقوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " [البقرة: 197] على ما يأتي. وأن معنى هذه الآية أن بعضها مواقيت للناس، وبعضها مواقيت للحج، وهذا كما تقول:
الجارية لزيد وعمرو، وذلك يقضي أن يكون بعضها لزيد وبعضها لعمرو، ولا يجوز أن يقال:
جميعها لزيد وجميعها لعمرو. والجواب أن يقال: إن ظاهر قوله " هي مواقيت للناس