انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ففرحوا فرحا شديدا، ونزلت: " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ". وفي البخاري أيضا عن البراء قال:
لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ". يقال:
خان وأختان بمعنى من الخيانة، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. ومن عصى الله فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب. وقال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شئ فلا يؤدي الأمانة فيه. وذكر الطبري: أن عمر رضي الله تعالى عنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له: قد نمت، فقال لها: ما نمت، فوقع بها. وصنع كعب بن مالك مثله، فغدا عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتذر إلى الله وإليك، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟
فقال لي: (لم تكن حقيقا يا عمر) فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن. وذكره النحاس ومكي، وأن عمر نام ثم وقع بامرأته، وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فنزلت: " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن... " الآية.
الثانية - قوله تعالى: " ليلة الصيام الرفث " " ليلة " نصب على الظرف، وهي اسم جنس فلذلك أفردت. والرفث: كناية عن الجماع لان الله عز وجل كريم يكني، قاله ابن عباس والسدي. وقال الزجاج: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته، وقاله الأزهري أيضا. وقال ابن عرفة: الرفث ها هنا الجماع. والرفث: التصريح بذكر الجماع والاعراب به. قال الشاعر:
ويرين من أنس الحديث زوانيا * وبهن عن رفث الرجال نفار وقيل: الرفث أصله قول الفحش، يقال: رفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح، ومنه قول الشاعر:
ورب أسراب حجيج كظم * عن اللغا ورفث التكلم