والنصارى لأنهم اختلفوا في التوجه والتولي، فاليهود إلى المغرب قبل بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق مطلع الشمس، وتكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليتها، فقيل لهم: ليس البر ما أنتم فيه، ولكن البر من آمن بالله.
الثانية - قرأ حمزة وحفص " البر " بالنصب، لان ليس من أخوات كان، يقع بعدها المعرفتان فتجعل أيهما شئت الاسم أو الخبر، فلما وقع بعد " ليس ": " البر " نصبه، وجعل " أن تولوا " الاسم، وكان المصدر أولى بأن يكون اسما لأنه لا يتنكر، والبر قد يتنكر والفعل أقوى في التعريف. وقرأ الباقون " البر " بالرفع على أنه اسم ليس، وخبره " أن تولوا "، تقديره: ليس البر توليتكم وجوهكم، وعلى الأول ليس توليتكم وجوهكم البر، كقوله: " ما كان حجتهم إلا أن قالوا (1) " [الجاثية: 25]، " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا (2) " [الروم: 10] " فكان عاقبتهما أنهما في النار (3) " [الحشر: 17] وما كان مثله. ويقوي قراءة الرفع أن الثاني معه الباء إجماعا في قوله: " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " [البقرة: 189] ولا يجوز فيه إلا الرفع، فحمل الأول على الثاني أولى من مخالفته له. وكذلك هو في مصحف أبي بالباء " ليس البر بأن تولوا " وكذلك في مصحف ابن مسعود أيضا، وعليه أكثر القراء، والقراءتان حسنتان.
الثالثة - قوله تعالى: " ولكن البر من آمن بالله " البر ها هنا اسم جامع للخير، والتقدير: ولكن البر بر من آمن، فحذف المضاف، كقوله تعالى: " واسأل القرية (4) " [يوسف: 82]، " وأشربوا في قلوبهم العجل (5) " [البقرة: 93] قاله الفراء وقطرب والزجاج. وقال الشاعر:
* فإنما هي إقبال وإدبار * أي ذات إقبال وذات إدبار. وقال النابغة:
* وكيف تواصل من أصبحت * * خلالته كأبي مرحب (6)