قوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الظللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175).
قوله تعالى: " أولئك الذين اشتروا الظلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة " تقدم (1) القول فيه. ولما كان العذاب تابعا للضلالة وكانت المغفرة تابعة للهدى الذي أطرحوه دخلا في تجوز الشراء.
قوله تعالى: " فما أصبرهم على النار " مذهب الجمهور - منهم الحسن ومجاهد - أن " ما " معناه التعجب، وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: اعجبوا من صبرهم على النار ومكثهم فيها. وفي التنزيل: " قتل الانسان ما أكفره (2) " [عبس: 17] و " أسمع بهم وأبصر (3) " [مريم: 38]. وبهذا المعنى صدر أبو علي. قال الحسن وقتادة وابن جبير والربيع: ما لهم والله عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار! وهي لغة يمنية معروفة. قال الفراء: أخبرني الكسائي قال:
أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه فوجبت اليمين على أحدهما فحلف، فقال له صاحبه: ما أصبرك على الله؟ أي ما أجرأك عليه. والمعنى: ما أشجعهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها. وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار، من قولهم: ما أصبر فلانا على الحبس! أي ما أبقاه فيه. وقيل: المعنى فما أقل جزعهم من النار، فجعل قلة الجزع صبرا. وقال الكسائي وقطرب: أي ما أدومهم على عمل أهل النار. وقيل: " ما " استفهام معناه التوبيخ، قاله ابن عباس والسدي وعطاء وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومعناه: أي أي شئ صبرهم على عمل أهل النار؟! وقيل: هذا على وجه الاستهانة بهم والاستخفاف بأمرهم.
قوله تعالى: ذلك بأن الله نزل الكتب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتب لفي شقاق بعيد (176).