يقول تعالى ذكره: فإنك يا محمد لا تسمع الموتى يقول: لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم، وإنما هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم، فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعا.
وقوله: ولا تسمع الصم الدعاء يقول: وكما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع الدعاء، إذا هم ولوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه، لسماع ذلك وفهمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
21352 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإنك لا تسمع الموتى: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر. ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع.
وقوله: وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد بمسدد من أعماه الله عن الاستقامة، ومحجة الحق، فلم يوفقه لإصابة الرشد، فصارفه عن ضلالته التي هو عليها، وركوبه الجائر من الطرق، إلى سبيل الرشاد، يقول: ليس ذلك بيدك ولا إليك، ولا يقدر على ذلك أحد غيري، لأني القادر على كل شئ. وقيل: بهادي العمي عن ضلالتهم، ولم يقل: من ضلالتهم. لان معنى الكلام ما وصفت، من أنه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل على المعنى. ولو قيل: من ضلالتهم كان صوابا. وكان معناه:
ما أنت بمانعهم من ضلالتهم.
وقوله: إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا يقول تعالى ذكره لنبيه: ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلا من يؤمن بآياتنا، لان الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبره وفهمه وعقله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود الله، الذي حد فيه، فهو الذي يسمع السماع النافع.
وقوله: فهم مسلمون يقول: فهم خاضعون لله بطاعته، متذللون لمواعظ كتابه.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد